من الإسراع: الإسراع المتوسط لا شدة الإسراع التي هي الخبب، وهو العدو. وكذلك المراد من قول صاحب (المبسوط): العجلة أحب هي العجلة المتوسطة لا الشديدة، والعجب من هذا القائل يقول شدة المشي قول الحنفية، ثم يذكر عن كتابين معتبرين في المذهب ما يدل على نفي شدة المشي، لأن قوله: دون الخبب، هو شدة المشي وقال البيهقي في (المعرفة) قال الشافعي: الإسراع بالجنازة هو فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد. فإن قلت: روى البخاري ومسلم من رواية عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، جنازة ميمونة، رضي الله تعالى عنها، بسرف، فقال ابن عباس: هذه ميمونة إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوه ولا تزلزلوه وارفقوا. وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) عن محمد بن فضيل عن بنت أبي بردة (عن أبي موسى، قال: مر على النبي، صلى الله عليه وسلم، بجنازة وهي تمحض كما يمحض الزق، فقال: عليكم بالقصد في جنائزكم) وهذا يدل على استحباب الرفق بالجنازة وترك الإسراع قلت: أما ابن عباس فإنه أراد الرفق في كيفية الحمل لا في كيفية المشي بها، وأما حديث أبي موسى فإنه منقطع بين بنت أبي بردة وبين أبي موسى، ومع ذلك فهو ظاهر في أنه كان يفرط في الإسراع بها، ولعله خشي انفجارها أو خروج شيء منه، وكذا الحكم عند ذلك في كل موضع. وفيه: استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد تحقق موته، فإن من المرضى من يخفى موته ولا يظهر إلا بعد مضي زمان، كالمسبوت ونحوه، وعن ابن بزيزة: ينبغي أن لا يسرع بتجهيزهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم. وفيه: مجانبة صحبة أهل البطالة وصحبة غير الصالحين.
25 ((باب قول الميت وهو على الجنازة قدموني)) أي: هذا باب في بيان قول الميت وهو على النعش: قدموني، وهذا القول إذا كان صالحا.
6131 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث قال حدثنا سعيد عن أبيه أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه. قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها يا ويلها أين يذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق.
(أنظر الحديث 4131 وطرفه).
مطابقته للترجمة في قول الجنازة (قدموني). ورجاله مضوا غير مرة، وسعيد المقبري يروي عن أبيه كيسان عن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك، رضي الله تعالى عنه. والحديث مر في الباب الذي قبل الباب السابق، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: (إذا وضعت الجنازة) فيه احتمالان. الأول: أن يكون المراد من الجنازة نفس الميت، وبوضعه جعله على السرير. والثاني: أن يكون المراد النعش، ووضعها على الأعناق، والظاهر هو الأول، ويؤيده رواية عبد الرحمن ابن مولى أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، قال: أوصى أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه، إذا أنا مت فلا تضربوا علي فسطاطا ولا تتبعوني بنار، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن المؤمن إذا وضع على سريره قال: قدموني قدموني، فإن الكافر إذا وضع على سريره قال: يا ويله أين تذهبون به). رواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن عبد الرحمن إلى آخره. وقال ابن بطال: إنما يقول ذلك الروح، ورد عليه بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤسا للكافر. وأجيب: بأن دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن يحتاج إلى دليل، والله عز وجل قادر على أن يحدث نطقا في الميت إذا شاء. وقال ابن بزيزة: في قوله: (يسمع صوتها كل شيء). هو بلسان المقال لا بلسان الحال، وكذا قال في قوله: (لصعق) أنه مختص بالميت الذي هو غير صالح، وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه، فلا يناسب الصعق من سماع كلامه. قوله: (وإن كانت غير ذلك)، وفي رواية الكشميهني: (وإن كانت غير صالحة)، واستدل بالحديث المذكور على أن كلام الميت يسمعه كل حيوان غير الإنسان، وقال ابن بطال: