عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٣٣
كالعادة كما قيل:
روعت بالبين حتى ما اراع به كذا قاله القرطبي، وقيل: هذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور، في الثلاثة ثم في الاثنين بخلاف الأربعة والخمسة، ويلزم في ذلك أن يرتفع الأجر في الأربعة مع وجود الثلاثة فيها مع تجدد المصيبة، والوجه السديد في هذا أن يقال: إن تناول الخبر الأربعة فما فوقها من باب الأولى والأجدر، ألا ترى أنهم ما سألوا عن الأربعة ولا ما فوقها، لأنه كالمعلوم عندهم أن المصيبة إذا كثرت كان الأجر أعظم.
وقال شريك عن ابن الأصبهاني قال حدثني أبو صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة لم يبلغوا الحنث.
شريك بن عبد الله، وابن الأصبهاني هو عبد الرحمن، وقد مضى الآن، وأبو صالح ذكوان وقد مضى صريحا في الحديث السابق، وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عنه، حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: أتاني أبو صالح يعزيني عن ابن لي فأخذ يحدث عن أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (ما من امرأة تدفن ثلاثة أفراط إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة: يا رسول الله قدمت اثنين؟ قال: ثلاثة، ثم قال: واثنين واثنين). قال أبو هريرة: الفرط من لم يبلغ الحنث، وقد قال في كتاب العلم وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني: سمعت أبا حازم عن أبي هريرة وقال: ثلاثة لم يبلغوا الحنث.
1521 حدثنا علي قال حدثنا سفيان قال سمعت الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم.
(الحديث 1521 طرفه في: 6566).
مطابقته للترجمة قد ذكرناها في الحديثين السابقين، ورجاله قد ذكروا غير مرة، وعلي هو ابن المديني وسفيان هو ابن عيينة والزهري هو محمد بن مسلم.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب عن أبي بكر بن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب. وأخرجه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الله بن يزيد. وأخرجه ابن ماجة في الجنائز عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ذكر معناه: قوله: (لا يموت لمسلم)، قيد الإسلام شرط لأنه لا نجاة للكافر بموت أولاده، وإنما ينجو من النار بالإيمان والسلامة من المعاصي، وهذه اللفظة فيها عموم تشمل الرجال والنساء بخلاف الرواية الماضية لأبي هريرة فإنها مقيدة بالنساء. قوله: (فيلج النار) من الولوج وهو الدخول، يقال: ولج يلج ولوجا ولجة أي: دخل، قال سيبويه: إنما جاء مصدره ولوجا وهو من مصادر غير المتعدي على معنى: ولجت فيه وأولجه أدخله، قال الله تعالى: * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * (الحج: 16). أي: يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا. قوله: (إلا تحلة القسم)، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الحاء وتشديد اللام، وهو مصدر حلل اليمين أي: كفرها. يقال: حلل تحليلا وتحلة وتحلا وهو شاذ، والتاء فيه زائدة، ومعنى: تحلة، القسم: ما ينحل به القسم وهو اليمين تقول العرب: ضربه تحليلا وضربه تعزيرا إذا لم يبالغ في ضربه، وهذا مثل في القليل المفرط القلة وهو أن يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار الذي يبر قسمه به مثل أن يحلف على النزول بمكان فلو وقع به وقعة خفيفة أجزأته فتلك تحلة قسمه، وقال أهل اللغة: يقال فعلته تحلة القسم، أي: قدر ما حللت به يميني، ولم أبالغ، وقال الخطابي: حللت القسم تحلة أي: أبررتها، بقوله: * (وإن منكم إلا واردها) * (مريم: 17). أي: لا يدخل النار ليعاقبه بها، ولكنه يجوز عليها فلا يكون ذلك إلا بقدر ما يبر الله به قسمه، والقسم مضمر كأنه قال: وإن منكم والله إلا واردها. وقال ابن بطال: المراد بهذه الكلمة تقليل مكث الشيء، وشبهوه بتحليل القسم. وقال الجوهري: التحليل ضد التحريم، تقول: حللته تحليلا وتحلة. وفي الحديث: (إلا تحلة القسم) أي: قدر ما يبر الله قسمه فيه بقوله: * (وإن منكم إلا واردها) * (مريم: 17). وقال القرطبي: اختلف في المراد بهذا القسم، فقيل: هو معين، وقيل: غير معين، فالجمهور على الأول. وقيل: لم يعن به قسم بعينه. وإنما معناه: التقليل لأمر ورودها، وهذا اللفظ يستعمل في هذا، يقال: ما ينام فلان إلا كتحليل الألية، ويقال: ما ضربه إلا تحليلا إذا لم يبالغ في الضرب، أي: قدرا يصيبه منه مكروه. وقال جمهور العلماء: المراد به قوله تعالى: * (وإن منكم إلا واردها) * (مريم: 17). وليس المراد دخولها للعقاب، ولكن للجواز. كما قاله
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»