على الكفاية بالإجماع، وكذا نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، وقد أنكر بعضهم على النووي في نقله هذا فقال: وهو ذهول شديد، فإن الخلاف مشهور جدا عند المالكية، حتى أن القرطبي رجح في (شرح مسلم) أنه سنة، ولكن الجمهور على وجوبه. انتهى. قلت: هذا ذهول أشد من هذا القائل حيث لم ينظر إلى معنى الكلام، فإن معنى قوله: سنة، أي: سنة مؤكدة، وهي في قوة الوجوب، حتى قال هو: وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك، أي: بالوجوب، وقال: توارد به القول والعمل وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه؟.
الثاني: في أن أصل وجوب غسل الميت ما رواه عبد الله بن أحمد في (المسند) (أن آدم، عليه الصلاة والسلام، غسلته الملائكة وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا وصلوا عليه، ثم دخلوا قبره فوضعوه فيه ووضعوا عليه اللبن، ثم خرجوا من قبره، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سبيلكم) ورواه البيهقي بمعناه.
الثالث: في سبب وجوب غسل الميت، فقال بعضهم: هو الحدث، فإن الموت سبب لاسترخاء مفاصله، وقال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني وغيره من مشايخ العراق، إنما أوجب النجاسة الموت إذ الآدمي له دم مسفوح كسائر الحيوانات، ولهذا يتنجس البئر بموته فيها، وفي (البدائع): عن محمد بن الشجاع البجلي أن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة له، لأنه لو تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت، وسيأتي قول ابن عباس: إن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا. وقال بعض الحنابلة: ينجس بالموت ولا يطهر بالغسل ويتنجس الثوب الذي ينشف به كسائر الميتات، وهذا باطل بلا شك وخرق للإجماع الرابع: في وضوء الميت، فوضوؤه سنة كما في الاغتسال في حالة الحياة، غير أنه لا يمضمض ولا يستنشق عندنا لأنهما متعسران. وقال صاحب (المغني): ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه في قول أكثر أهل العلم. وهو قول سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأحمد. وقال الشافعي: يمضمض ويستنشق كما يفعله الحي. وقال النووي: المضمضة جعل الماء في فيه. قلت: هذا خلاف ما قاله أهل اللغة، فقال الجوهري: المضمضة تحريك الماء في الفم، وإمام الحرمين لم يصوب من قال مثل ما قال النووي.
الخامس: في الماء والسدر، فالحكم فيه عندنا أن الماء يغلي بالسدر والأشنان مبالغة في التنظيف، فإن لم يكن السدر أو الأشنان فالماء القراح، وذكر في (المحيط) و (المبسوط): أنه يغسل أولا بالماء القراح، ثم بالماء الذي يطرح فيه السدر، وفي الثالثة يجعل الكافور في الماء ويغسل به، هكذا روي عن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، وعند سعيد بن المسيب والنخعي والثوري: يغسل في المرة الأولى والثانية بالماء القراح، والثالثة بالسدر. وقال الشافعي: يختص السدر بالأولى، وبه قال ابن الخطاب من الحنابلة. وعن أحمد: يستعمل السدر في الثلاث كلها، وهو قول عطاء وإسحاق وسليمان بن حرب. وقال القرطبي: يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك جسده ثم يصب عليه الماء القراح، فهذه غسلة، وكرهت الشافعية وبعض الحنابلة الماء المسخن، وخيره مالك ما ذكره في (الجواهر) وفي (الختلي) من كتب الشافعية، قيل: المسخن أولى بكل حال وهو قول إسحاق. وفي (الدراية): وعند الشافعي وأحمد الماء البارد أفضل إلا أن يكون عليه وسخ أو نجاسة لا تزول إلا بالماء الحار أو يكون البرد شديدا. فإن قلت: الوضوء مذكور في الترجمة ولم يذكر له حديثا. قلت: اعتمد على المعهود من الاغتسال من الجنابة، عن يمكن أن يقال: إنه اعتمد على ما ورد في بعض طرق حديث الباب من حديث أم عطية: (إبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها). وقيل: أراد وضوء الغاسل أي: لا يلزمه وضوء. قلت: هذا بعيد، لأن الغاسل لم يذكر فيما قبله ولا يعود الضمير في قوله: (ووضوئه) إلا إلى الميت، ووجه بعضهم هذا فقال: إلا أن يقال: تقدير الترجمة: باب غسل الحي الميت، لأن الميت لا يتولى ذلك بنفسه فيعود الضمير على المحذوف. قلت: هذا عسف وإن كان له وجه مع أن رجوع الضمير إلى أقرب الشيئين إليه أولى.
وحنط ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ابنا لسعيد بن زيد وحمله وصلى ولم يتوضأ مطابقتة للترجمة تؤخذ من موضعين: الأول: من قوله: (حنط)، لأن التحنيط يستلزم الغسل، فكأنه قال: غسله وحنطه، وهو مطابق لقوله: باب غسل الميت، والثاني: من قوله: (ولم يتوضأ)، لأنا قد ذكرنا أن الضمير في قوله: (ووضوئه)، يرجع إلى الميت، وقوله: (لم