سمعت أنسا يقول خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قلت أقمتم بمكة شيئا قال أقمنا بها عشرا.
(الحديث 1801 طرفه في: 7924).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله: وهم أربعة: الأول: أبو معمر، بفتح الميمين: عبد الله بن عمر المنقري المقعد. الثاني: عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة. الثالث: يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، مات سنة ست وثلاثين ومائة. الرابع: أنس بن مالك.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: أن رجاله كلهم بصريون. وفيه: أنه من رباعيات البخاري.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري في المغازي عن أبي نعيم وقبيصة، كلاهما عن سفيان الثوري. وأخرجه مسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى وعن أبي كريب وعن عبيد الله بن معاذ وعن محمد ابن عبد الله بن نمير. وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم كلاهما عن وهيب. وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة وعن حميد بن مسعدة وفي الحج عن زياد بن أيوب. وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن نصر بن علي الجهضمي وعبد الأعلى بن عبد الأعلى.
ذكر معناه: قوله: (خرجنا من المدينة)، وفي رواية شعبة عن يحيى بن إسحاق عند مسلم: (إلى الحج)، قوله: (من المدينة إلى مكة)، دخل مكة يوم الأحد صبيحة رابعة ذي الحجة، وبات بالمحصب ليلة الأربعاء وفي تلك الليلة اعتمرت عائشة، رضي الله تعالى عنها، وخرج من مكة صبيحتها وهو الرابع عشر. قوله: (فكان يصلي ركعتين ركعتين)، أي: الظهر والعصر والعشاء والفجر إلا المغرب، فإنه يصليها ثلاثا على حالها، وروى البيهقي من طريق علي بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس: إلا المغرب. قوله: (قلت)، قائله يحيى. قوله: (أقمتم بمكة شيئا)؟ همزة الاستفهام فيه محذوفة أي: أقمتم. قوله: (عشرا) أي: عشرة أيام، وإنما حذفت التاء من العشر مع أن اليوم مذكر لأن المميز إذا لم يكن مذكورا جاز في العدد التذكير والتأنيث. قالوا: معناه أنه أقام بمكة وحواليها لا في مكة فقط، إذ كان ذلك في حجة الوداع، ولهذا قلنا: إن حديث أنس لا يعارض حديث ابن عباس، لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة، وخرج من مكة صبيح الرابع عشر فتكون مدة إقامته بمكة وحواليها عشرة أيام بلياليها، كما قال أنس، وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن، فصلى الظهر بمنى. وقال ابن رشيد: أراد البخاري أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث ابن عباس، لأن إقامته عشرة داخلة في إقامته تسع عشرة، وأراد من ذلك أن الأخذ بالزائد متعين، ولا يتهيأ له ذلك لاختلاف القضيتين، وإنما يجيء ما قاله لو كانت القضيتان متحدتين. فافهم.
ذكر ما يستنبط منه: احتج به الشافعي، رحمه الله، أن المسافر إذا أقام ببلدة أربعة أيام قصر، لأن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كانت أربعة أيام، كما ذكرنا. وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور، وقال الرافعي والنووي: الأصح أن المراد بالأربعة غير يوم الدخول ويوم الخروج، وعن الشافعي في قوله: إذا أقام أكثر من أربعة أيام كان مقيما وإن لم ينو الإقامة وقال الطحاوي: ما قاله الشافعي خلاف الإجماع لأنه لم ينقل عن أحد قبله بأن يصير مقيما بنية أربعة أيام، وعند أصحابنا: إن نوى أقل من خمسة عشر يوما قصر صلاته، لأن المدة خمسة عشر يوما كمدة الطهر، لما روى (عن ابن عباس وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم، قالا: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصرها). رواه الطحاوي، وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه): (حدثنا وكيع حدثنا عمر بن ذر عن مجاهد أن ابن عمر كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم الصلاة) وروى هشيم عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب أنه قال: إذا أقام المسافر خمس عشرة ليلة أتم الصلاة وما كان دون ذلك فليقصر. ثم إعلم أنا قلنا: إنما يصير مقيما بنية الإقامة إذا سار ثلاثة أيام، فأما إذا لم يسر ثلاثة أيام فعزم على الرجوع أو نوى الإقامة يصير مقيما، وإن كان في المفازة، كذا ذكره فخر الإسلام وفي (المجتبى): لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة أو دخول الوطن أو الرجوع إليه قبل الثلاث، وبه قال الشافعي في الأظهر. ونية الإقامة إنما تؤثر بخمس شرائط. أحدها: ترك السير حتى لو نوى الإقامة وهو يسير لم يصح. وثانيها: صلاحية الموضع