كان مقيما فيها. وقال أكثر أهل العلم، منهم عطاء والزهري والثوري والكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وأبو ثور: لا يقصر الصلاة أهل مكة بمنى وعرفات لانتفاء مسافة القصر. وقال الطحاوي: وليس الحج موجبا للقصر لأن أهل منى وعرفات إذا كانوا حجاجا أتموا، وليس هو متعلقا بالموضع، وإنما هو متعلق بالسفر، وأهل مكة مقيمون هناك لا يقصرون، ولما كان المقيم لا يقصر لو خرج إلى منى كذلك الحاج.
ذكر المسافة التي تقصر فيها الصلاة: اختلف العلماء فيها، فقال أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون: المسافة التي تقصر فيها الصلاة ثلاثة أيام ولياليهن بسير الإبل ومشي الأقدام. وقال أبو يوسف: يومان وأكثر الثالث، وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة ورواية ابن سماعة عن محمد ولم يريدوا به السير ليلا ونهارا لأنهم جعلوا النهار للسير والليل للاستراحة، ولو سلك طريقا هي مسيرة ثلاثة أيام وأمكنه أن يصل إليها في يوم من طريق أخرى قصر، ثم قدروا ذلك بالفراسخ، فقيل: أحد وعشرون فرسخا، وقيل: ثمانية عشر، وعليه الفتوي، وقيل: خمسة عشر فرسخا، وإلى ثلاثة أيام ذهب عثمان بن عفان وابن مسعود وسويد بن غفلة والشعبي والنخعي والثوري وابن حيي وأبو قلابة وشريك بن عبد الله وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين، وهو رواية عن عبد الله بن عمر. وعن مالك: لا يقصر في أقل من ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي، وذلك ستة عشر فرسخا، وهو قول أحمد، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربع وعشرون إصبعا معترضة معتدلة، والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات، وذلك يومان، وهو أربعة برد، هذا هو المشهور عنه. كأنه احتج بما رواه الدارقطني من حديث عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء بن أبي رباح (عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان). وعبد الوهاب ضعيف، ومنهم من يكذبه، وعنه أيضا: خمسة وأربعون ميلا، وللشافعي: سبعة نصوص في المسافة التي تقصر فيها الصلاة: ثمانية وأربعون ميلا، ستة وأربعون، أكثر من أربعين، أربعون، يومان وليلتان، يوم وليلة، وهذا الآخر قال به الأوزاعي. قال أبو عمر: قال الأوزاعي: عامة الفقهاء يقولون به. قال أبو عمرو عن داود: يقصر في طويل السفر وقصيره، زاد ابن حامد: حتى لو خرج إلى بستان له خارج البلد قصر، وزعم أبو محمد أنه لا يقصر عندهم في أقل من ميل، وروي الميل أيضا عن ابن عمر، روي عنه أنه قال: لو خرجت ميلا لقصرت. وعنه: إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر، وعنه: ثلاثة أميال، وعن ابن مسعود: أربعة أميال، وفي (المصنف): حدثنا هشيم عن أبي هارون (عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فرسخا قصر الصلاة). وحدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك (عن النزال أن عليا، رضي الله تعالى عنه، خرج إلى النحيلة، فصلى بها الظهر والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه. قال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم). وكان حذيفة يصلي ركعتين فيما بين الكوفة والمدائن، وعن ابن عباس: تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة. وعن ابن عمر وسويد بن غفلة وعمر بن الخطاب: ثلاثة أميال.. وعن أنس (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ. شعبة الشاك قصر)، رواه مسلم. قال أبو عمر: هذا عن يحيى بن يزيد الهنائي، قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج... إلى آخره، ويحيى شيخ بصري ليس لمثله أن يروي مثل هذا الذي خالف فيه جمهور الصحابة والتابعين، ولا هو ممن يوثق به في مثل ضبط هذا الأمر، وقد يحتمل أن يكون أراد سفرا بعيدا، ثم أراد ابتداء قصر الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثة أميال، فيتفق حضور صلاة فيقصر. وعن الحسن: يقصر لمسيرة ليلتين. وعند أبي الشعشاء: ستة أميال. وعند مسلم (عن جبير بن نفير، قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشرة أو ثمانية عشر ميلا، فصلى ركعتين، فقلت له، فقال: رأيت عمر، رضي الله تعالى عنه، صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر السبب في إتمام عثمان الصلاة بمنى للعلماء في ذلك أقوال: منها: أنه أتمها بمنى خاصة. قال أبو عمر، قال قوم: أخذ بالمباح في ذلك، إذ للمسافر أن يقصر ويتم، كما له أن يصوم ويفطر، وقال الزهري: إنما صلى بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثيرين في ذلك العام، فأحبب أن يخبرهم بأن الصلاة أربع، وروى معمر عن الزهري أن عثمان صلى بمنى أربعا لأنه أجمع الإقامة بعد الحج، وروى يونس عنه: لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف، وأراد أن يقيم بها صلى أربعا، وروى مغيرة عن إبراهيم، قال: صلى أربعا لأنه كان اتخذها وطنا. وقال البيهقي: وذلك مدخول لأنه لو كان إتمامه لهذا المعنى لما خفي ذلك