في ذلك)، هذه رواية الأصيلي، وفي رواية أبي ذر: (فقيل ذلك)، أي: فيما ذكر من صلاة عثمان أربع ركعات. قوله: (فاسترجع) أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، كراهة مخالفته الأفضل. قوله: (ومع عمر ركعتين) زاد الثوري عن الأعمش: (ثم تفرقت بكم الطرق) أخرجه البخاري في الحج من طريقه. قوله: (فليت حظي من أربع ركعات ركعتان)، وليس في رواية الأصيلي (ركعات). قوله: (حظي) أي: نصيبي، وكلمة: من في: (من أربع) للبدل كما في قوله تعالى: * (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) * (التوبة: 83). وقال الداودي معناه: إن صليت أربعا وتكلفتها فليتها تتقبل كما تتقبل الركعتان.
ذكر ما يستنبط منه: قال بعضهم: هذا الحديث يدل على أن ابن مسعود كان يرى الإتمام جائزا وإلا لما كان له حظ من الأربع ولا من غيرها، فإنها تكون فاسدة كلها، وإنما استرجع لما وقع عنه من مخالفته الأولى، ويؤيده ما روى أبو داود أن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، صلى أربعا، فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟ فقال: الخلاف شر. ورواية البيهقي إني لأكره الخلاف، ولأحمد من حديث أبي ذر مثل الأول، وهذا يدل على أنه لم يكن يعتقد أن القصر واجب، كما قال الحنفية، ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية وأحمد. وقال ابن قدامة: المشهور عن أحمد أنه على الاختيار، والقصر عنده أفضل، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين. قلت: هذا القائل تكلم بما يوافق غرضه، أما قوله هذا يدل على أن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه، كان يرى الإتمام جائزا، فيرده ما قاله الداودي: إن ابن مسعود كان يرى القصر فرضا، ذكره صاحب (التوضيح) وغيره، ويؤيده ما قاله عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه: الصلاة في السفر ركعتان لا يصح غيرهما، وقال الأوزاعي: إن قام إلى الثالثة فإنه يلغيها ويسجد سجدتي السهو. وقال الحسن بن حي: إذا صلى أربعا متعمدا أعادها، وكذا قال ابن أبي سليمان، وأما قوله: ويؤيده ما روى أبو داود أن ابن مسعود صلى أربعا، فإنه أجاب عن هذا بقوله: الخلاف شر، فلو لم يكن القصر عنده واجبا لما استرجع، ولما أنكر بقوله: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين...) إلى آخر الحديث، وأما قوله المشهور عن أحمد: إنه على الاختيار، فيعارضه ما قاله الأثرم. قلت لأحمد: للرجل أن يصلي أربعا في السفر؟ قال: لا ما يعجبني. وحكى ابن المنذر في (الأشراف): أن أحمد قال: أنا أحب العافية عن هذه المسألة. وقال البغوي: هذا قول أكثر العلماء. وقال الخطابي: الأولى القصر، ليخرج عن الخلاف. وقال الترمذي، رحمه الله تعالى: العمل على ما فعله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وهو القصر، وهو قول محمد بن سحنون ورواية عن مالك وأحمد، وهو قول الثوري وحماد، وهو المنقول عن عمر وعلي وجابر وابن عباس وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم، وبهذا يرد على هذا القائل في قوله: وهو قول جمهور الصحابة والتابعين. وقال هذا القائل: واحتج الشافعي على عدم الوجوب بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلى أربعا باتفاقهم، ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم، والجواب عن هذا: أن صلاة المسافر كانت أربعا عند اقتدائه بالمقيم لالتزامه المتابعة، فيتغير فرضه للتبعية ولا يتغير في الركعتين الأخريين، لأنه ما كان فرضا لا بد من إتيانه كله، وليس له خيار في تركه. وإيراد ابن بطال بأنا وجدنا واجبا يتخير بين الإتيان بجميعه أو ببعضه، وهو لإقامة بمنى غير وارد، لأن الإقامة بمنى اختياره وليس هو مما نحن فيه، لا يقال: إن اقتداء المسافر بالمقيم باختياره، لأنا نقول: نعم باختياره، ولكن عند الاقتداء يزول اختياره لضرورة التزام التبعية. فافهم. فإذا احتج الخصم بقوله تعالى: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * (النساء: 101). بأن لفظة: * (لا جناح) * يدل على الإباحة لا على الوجوب، فدل على أن القصر مباح، أجبنا عنه: بأن المراد من القصر المذكور هو القصر في الأوصاف من ترك القيام إلى القعود، أو ترك الركوع والسجود إلى الإيماء لخوف العدو، بدليل أنه علق ذلك بالخوف، إذ قصر الأصل غير متعلق بالخوف بالإجماع، بل متعلق بالسفر، وعندنا قصر الأوصاف عند الخوف مباح لا واجب، مع أن رفع الجناح في النص لدفع توهم النقصان في صلاتهم بسبب دوامهم على الإتمام في الحضر، وذلك مظنة توهم النقصان، فرفع ذلك عنهم، وإن احتج بما رواه مسلم والأربعة (عن يعلى بن أمية، قال: قلت لعمر، رضي الله تعالى عنه..) الحديث، وقد مضى عن قريب ووجه التعلق به أنه علق القصر بالقبول وسماه صدقة، والمتصدق عليه مخير في