أنه: ركع ركعتين في ست ركوعات وأربع سجدات، وروي إنه ركع ركعتين في عشر ركوعات وأربع سجدات، وقد ذكر أبو داود أنواعا منها، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك أنه صلاها مرات وكرات، وكان إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته، وزاد في عدد الركوع، وإذا قصرت نقص من ذلك وحذا بالصلاة حذوها، وكل ذلك جائز يصلي على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه.
ذكر ما فيه من المعنى واستنباط الأحكام: قوله: (في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: في زمنه. قوله: (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) استدل به بعضهم على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء، فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك الحال. وقال بعضهم: فيه نظر لأن السياق حذفا لأن في رواية ابن شهاب (خسفت فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه). وفي رواية عمرة: (فخسفت فرجع ضحى فمر بين الحجر ثم قام يصلي). قلت: هذا الذي ذكره لا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان على الوضوء أو لم يكن، ولكن حاله يقتضي وجلالة قدره تستدعي كونه على محافظة الوضوء. قوله: (فأطال القيام) أي: يطول القراءة فيه، والدليل عليه رواية ابن شهاب: (فاقترأ قراءة طويلة)، ومن وجه آخر عنه: (فقرأ سورة طويلة)، وفي حديث ابن عباس على ما سيأتي: (فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى)، ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار عن عروة، وزاد أنه قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران، وعند الشافعية يستفتح القراءة في الركعة الأولى والثانية بأم القرآن، وأما الثالثة والرابعة فيقرأ بها أيضا عندهم، وعند مالك يقرأ السورة، وفي الفاتحة قولان: قال مالك: نعم، وقال ابن مسلمة: لا. قوله: (ثم قام فأطال القيام) وفي رواية ابن شهاب: (ثم قال: سمع الله لمن حمده)، وزاد من وجه آخر: (ربنا ولك الحمد)، وقيل: استدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى وقال بعضهم: واستشكله بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال، بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه. قلت: هذا المستشكل هو صاحب المهمات، وقوله بدليل اتفاق العلماء فيه نظر، لأن محمد بن مسلمة من المالكية ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة، ولم يقل بقراءة الفاتحة كما قلنا عن قريب. وأجاب عن ذلك شيخنا الحافظ زين الدين العراقي، رحمه الله بقوله: ففي استشكاله نظر لصحة الحديث فيه، بل لو زاد الشارع عليه ذكرا آخر لما كان مستشكلا. قوله: (وهو دون القيام الأول) أراد به أن القيام الأول أطول من الثاني في الركعة الأولى، وأراد أن القيام في الثانية دون القيام الأول في الأولى، والركوع الأول فيها دون الركوع الأول في الأولى. وأراد بقوله: في القيام الثاني في الثانية أنه دون القيام الأول فيها، وكذلك ركوعه الثاني فيها دون ركوعه الأول فيها. وقال النووي: اتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الأولى أقصر من القيام الأول والركوع، وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الثانية أقصر من الأول منهما من الثانية. واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية، هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى؟ ويكون هذا معنى قوله: وهو دون القيام الأول، ودون الركوع الأول، أم يكونان سواء ويكون قوله: دون القيام أو الركوع الأول أي أول قيام وأول ركوع؟ قوله: (ثم ركع فأطال الركوع) يعني أنه خالف به عادته في سائر الصلوات كما في القيام وقال مالك: ويكون ركوعه نحوا من قيامه وقراءته. قوله: (ثم سجد فأطال السجود)، وهو ظاهر في تطويله، قال أبو عمر عن مالك: لم أسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف، وهو مذهب الشافعي، ورأت فرقة من أهل الحديث تطويل السجود في ذلك. قلت: حكى الترمذي عن الشافعي أنه يقيم في كل سجدة من الركعة الأولى نحوا مما قام في ركوعه، وقال في الركعة الثانية: ثم سجد سجدتين ولم يصف مقدار إقامته فيهما، فيحتمل أن يريد مثل ما تقدم في سجود الركعة الأولى، ويحتمل أنه كسجود سائر الصلوات، وقال الرافعي: وهل يطول السجود في هذه الصلاة؟ فيه قولان، ويقال: وجهان: أظهرهما: لا، كما لا يزيد في التشهد ولا يطول القعدة بين السجدتين، والثاني: وبه قال ابن شريح: نعم، ويحكى عن البويطي: وقد صحح النووي خلافه في (الروضة) فقال: الصحيح المختار أنه يطول، وكذا صححه في (شرح المهذب) وفي (المنهاج) من زياداته، واقتصر في (تصحيح التنبيه على المختار) قال شيخنا الحافظ زين الدين،: إن قلنا بتطويل السجود في صلاة الكسوف فما مقدار الإقامة فيه؟ فالذي ذكره الترمذي عن الشافعي أنه قال: ثم سجد سجدتين تامتين، ويقيم في كل سجدة نحوا مماأقام في ركوعه، وهي رواية البويطي عن الشافعي أيضا إلا أنه زاد بعد. قوله: (تامتين