عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٦٧
الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولكنهما خلقان من خلقه فإن الله عز وجل يحدث في خلقه ما يشاء، وإن الله عز وجل إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له) الحديث: ويؤيده قوله تعالى: * (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) * (الأعراف: 341). ولأهل الحساب فيه كلام كثير، أكثره خباط. يقولون: أما كسوف الشمس فإن القمر يحول بينها وبين النظر، وأما كسوف القمر فإن الشمس تخلع نورها عليه، فإذا وقع في ظل الأرض لم يكن له نور بحسب ما تكون له المقابلة، ويكون الدخول في ظل الأرض يكون الكسوف من كل أو بعض. قالوا: وهذا أمر يدل عليه الحساب ويصدق فيه البرهان، ورد عليهم بأنهم قالوا بالبرهان: إن الشمس أضعاف القمر في الجرمية بالعقل، فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله ولا يأخذ منه عشرة؟ وأيضا إن الشمس إذا كانت تعطيه نورها، فكيف يحجب نورها ونوره من نورها؟ هذا خباط، وأيضا: قلتم: إن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفا أو نحوها، وقلتم: إن القمر أكبر منها بأقل من ذلك، فكيف يقع الأعظم في ظل الأصغر، وكيف تحجب الأرض نور الشمس، وهي في زاوية منها. وأيضا فالشمس لها فلك ومجرى، ولا خلاف أن كل واحد منهما محدود ومعلوم لا يعدو مجراه، كل يوم إلى مثله من العام، فيجتمعان ويتقابلان، فلو كان الكسوف لوقوعه في ظل الأرض في وقت لكان ذلك الوقت محدودا معلوما، لأن المجرى منهما محدود معلوم، فلما كان تأتي الأوقات المختلفة والجري واحدا والحساب واحدا علم قطعا فساد قولهم.
1401 حدثنا شهاب بن عباد قال حدثنا إبراهيم بن حميد عن اسماعيل عن قيس قال سمعت أبا مسعود يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولاكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فقوموا فصلوا.
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: شهاب بن عباد، بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة: العبدي الكوفي، من شيوخ مسلم أيضا. ولهم شيخ آخر يقال له: شهاب بن عباد العبدي، لكنه بصري، وهو أقدم من الكوفي في طبقة شيوخ شيوخه، روى له البخاري وحده في (الأدب المفرد). الثاني: إبراهيم بن حميد، بضم الحاء: الرواسي، بضم الراء وبالسين المهملة: الكوفي، مات سنة ثمان وسبعين ومائة. الثالث: إسماعيل بن أبي خالد، وقد مر. الرابع: قيس بن أبي حازم، وقد مر. الخامس: أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البدري، لأنه من ماء بدر ولم يشهد بدرا وسكن الكوفة، مات أيام علي بن أبي طالب.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في أربعة مواضع. وفيه: إن رواته كلهم كوفيون. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الكسوف عن مسدد عن يحيى وفي بدء الخلق عن أبي موسى عن يحيى، وأخرجه مسلم في الخسوف عن يحيى بن يحيى وعن عبيد الله بن معاذ وعن يحيى بن حبيب وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن إسحاق بن إبراهيم وعن ابن أبي عمر. وأخرجه النسائي فيه عن يعقوب بن إبراهيم. وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن عبد الله بن نمير.
ذكر معناه: قوله: (آيتان) أي: علامتان من آيات الله الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته أو: آيتان على تخويف عباده من بأسه وسطوته، ويؤيده قوله تعالى: * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) * أو آيتان لقرب القيامة أو لعذاب الله تعالى، أو لكونهما مسخرين لقدرة الله وتحت حكمه، وأصل آية: أويه، بالتحريك، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقال سيبويه: موضع العين من الآية: واو، لأن ما كان موضع العين واللام: ياء، أكثر مما موضع العين واللام فيه ياءان، والنسبة إليه: أووي، قال الفراء: هي من الفعل فاعلة، وإنما ذهب منه اللام، ولو جاءت تامة لجاءت آيية، ولكنها خففت، وجمع الآية: آي وأيائي وآيات. قوله: (فإذا رأيتموهما)، بتثنية الضمير رواية الكشميهني، وكذا في رواية الإسماعيلي، وفي رواية غيرهما: (فإذا رأيتموها)، بتوحيد الضمير الذي يرجع إلى الآية التي يدل عليها، قوله: (آيتان)، أو الآيات، والمعنى على الأول: إذا رأيتم كسوف كل منهما، لاستحالة وقوع ذلك فيهما معا في حالة واحدة عادة، وإن كان جائزا في القدرة الإلهية. قوله: (فقوموا فصلوا): أمر
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»