عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٦٤
صلاة صليتموها من المكتوبة). وأخرجه النسائي أيضا وأخرجه الطحاوي من طريقين، ففي طريقه الأولى: عن قبيصة البجلي، وفي الثانية: عن قبيصة الهلالي وغيره، وكل منهما صحابي على ما ذكره البعض، وذكر أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) أولا قبيصة الهلالي فقال: سكن البصرة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، ثم ذكر قبيصة آخر، فقال: قبيصة يقال: إنه البجلي، ويقال: الهلالي: سكن البصرة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا. حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس، فصلى بهم ركعتين، فأطال فيهما حتى انجلت الشمس، فقال: إن هذه الآية تخويف يخوف الله بها عباده فإذا رأيتم ذلك: فصلوا كأخف صلاة صليتموها من المكتوبة). وقال أبو نعيم: ذكر بعض المتأخرين قبيصة البجلي وهو عندي قبيصة بن مخارق الهلالي، والبجلي وهم قلت: رواية الطحاوي وكلام البغوي يدلان على أنهما اثنان. قوله: (كأحدث صلاة)، يعني: كأقرب صلاة. قال بعضهم: معناه إن آية من هذه الآيات إذا وقعت مثلا بعد الصبح يصلى ويكون في كل ركعة ركوعان، وإن كانت بعد المغرب يكون في كل ركعة ثلاث ركوعات، وإن كانت بعد الرباعية يكون في كل ركعة أربع ركوعات. وقال بعضهم: معناه أن آية من هذه الآيات إذا وقعت عقيب صلاة جهرية يصلى ويجهر فيها بالقراءة، وإن وقعت عقيب صلاة سرية يصلى ويخافت فيها بالقراءة. قلت: رواية البغوي: كأخف صلاة، تدل على أن المراد كما وقع في صلاة من المكتوبة في الخفة، وهي صلاة الصبح، وأراد به أنه يصلي ركعتين كصلاة الصبح بركوعين وأربع سجدات. فافهم. ومنهم: علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أخرج حديثه أحمد من رواية حنش عنه قال: (كسفت الشمس فصلى علي، رضي الله تعالى عنه، للناس فقرأ يس أو نحوها، ثم ركع نحوا من قدر سورة، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ثم سجد ثم قام إلى الركعة الثانية، ففعل كفعله في الركعة الأولى، ثم جلس يدعو ويرغب حتى انجلت الشمس، ثم حدثهم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذلك فعل). وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح (عن السائب بن مالك، والد عطاء: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلى في كسوف القمر ركعتين). وفي (علل ابن أبي حاتم): السائب ليست له صحبة، والصحيح إرساله، ورواه بعضهم عن أبي إسحاق عن السائب بن مالك عن ابن عمر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وروى ابن أبي شيبة أيضا بسند صحيح (عن إبراهيم: كانوا يقولون: إذا كان ذلك فصلوا كصلاتكم حتى تنجلي). وحدثنا وكيع حدثنا إسحاق بن عثمان الكلابي (عن أبي أيوب الهجري، قال: انكسفت الشمس بالبصرة وابن عباس أمير عليها، فقام يصلي بالناس فقرأ فأطال القراءة. ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه ثم سجد، ثم فعل مثل ذلك في الثانية، فلما فرغ قال: هكذا صلاة الآيات! قال: فقلت: بأي شيء قرأ فيهما؟ قال: بالبقرة وآل عمران). وحدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف ركعتين، فقرأ في إحداهما بالنجم) وفي (المحلى) أخذ بهذا طائفة من السلف، منهم عبد الله بن الزبير صلى في الكسوف ركعتين كسائر الصلوات. فإن قيل: قد خطأه في ذلك أخوه عروة. قلنا: عروة أحق بالخطأ من عبد الله الصاحب الذي عمل بعلم، وعروة أنكر ما لم يعلم، وذهب ابن حزم إلى العمل بما صح من الأحاديث فيها، ونحا نحوه ابن عبد البر، فقال: وإنما يصير كل عالم إلى ما روى عن شيوخه، ورأى عليه أهل بلده، وقد يجوز أن يكون ذلك اختلاف إباحة وتوسعة. قال البيهقي: وبه قال ابن راهويه وابن خزيمة وأبو بكر بن إسحاق والخطابي، واستحسنه ابن المنذر، وقال ابن قدامة: مقتضى مذهب أحمد أنه يجوز أن تصلى صلاة الكسوف على كل صفة، وقال ابن عبد البر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف مرارا، فحكى كل ما رأى، وكلهم صادق كالنجوم، من اقتدى بهم اهتدى، وذهب البيهقي إلى أن الأحاديث المروية في هذا الباب كلها ترجع إلى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات إبراهيم. وقد روى في حديث كل واحد منهم ما يدل على ذلك، والذي ذهب إليه أولئك الأئمة توفيق بين الأحاديث، وإذا عمل بما قاله البيهقي حصل بينها خلاف يلزم منه سقوط بعضها وإطراحه، وإنما يدل على وهن قوله ما روته عائشة، رضي الله تعالى عنها، عند النسائي بسند صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف في صفة زمزم يعني بمكة، وأكثر الأحاديث كانت بالمدينة، فدل ذلك على التعدد، وكانت وفاة إبراهيم يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، ودفن بالبقيع، والحاصل في ذلك أن أصحابنا تعلقوا بأحاديث من ذكرناهم من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، ورأوها أولى من رواية غيرهم، نحو حديث عائشة وابن عباس وغيرهما، لموافقتها القياس في أبواب الصلاة، وقد نص في حديث أبي بكرة على ركعتين صريحا. بقوله: (فصلى ركعتين)، وفي رواية النسائي: (كما تصلون)، وحمل ابن حبان والبيهقي على أن المعنى: كما تصلون في الكسوف، بعيد وظاهر الكلام يرده. فإن قلت: خاطب أبو بكرة بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أن صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان. قلت: حديث أبي بكرة إخبار عن الذي شاهده من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه خطاب أصلا، ولئن سلمنا أنه خاطب بذلك من الخارج، فليس معناه كما حمله ابن حبان والبيهقي، لأن المعنى: كما كانت عبادتكم فيما إذا صليتم ركعتين بركوعين وأربع سجدات، على ما تقرر شأن الصلوات على هذا. وقال بعضهم: وظهر أن رواية أبي بكرة مجملة ورواية جابر: أن في كل ركعة ركوعين، مبينة، فالأخذ بالمبين أولى قلت: ليت شعري أين الإجمال في حديث أبي بكرة؟ هل هو إجمال لغوي أو إجمال اصطلاحي؟ وليس ههنا أثر من ذلك؟ ولو قال هذا القائل: الأخذ بحديث
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»