فقيل لابن عمر: ما معنى مثنى مثنى؟ قال: تسلم في كل ركعتين)، وقال بعضهم: فيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى: اثنين، أن يتشهد بين كل ركعتين، لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به، وما فسره هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا، أنها: مثنى. قلت: زعم هذا الحنفي بما ذكر لا يستلزم نفي السلام، ومقصوده أن لا بد من التشهد بين كل ركعتين، وأما أنه يسلم أو لا يسلم فهو بحث آخر. ويجوز أن يقال في الرباعية: مثنى مثنى، بالنظر إلى أن كل ركعتين منها مثنى، مع قطع النظر عن السلام، قوله: (فإذا خشي أحدكم الصبح) أي: فوات صلاة الصبح. قوله: (توتر له) على صيغة المجهول أسند إلى ما فيما قد صلى، والمعنى: تصير به تلك الركعة الواحدة وترا. وبه احتج الشافعي، على أن الإيتار بركعة واحدة جائز، وسنتكلم فيه مبسوطا إن شاء الله تعالى.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على وجوه الأول: احتج به أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد: أن صلاة الليل مثنى مثنى، وهو أن يسلم في آخر كل ركعتين، وأما صلاة النهار فأربع عندهما، وعند أبي حنيفة: أربع في الليل والنهار، وعند الشافعي فيهما. مثنى مثنى، واحتج بما رواه الأربعة من حديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، وبما رواه إبراهيم الحربي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، وبما رواه الحافظ أبو نعيم في (تاريخ أصبهان): عن عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى). ولأبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، في الليل ما رواه أبو داود في (سننه) من حديث زرارة بن أوفى، (عن عائشة أنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، فقالت: كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه...) الحديث، وقال أبو داود: في سماع زرارة عن عائشة نظر، ثم أخرجه عن زرارة عن سعيد بن هشام عن عائشة، قال: وهذه الرواية هي المحفوظة عندي. وروى أحمد في (مسنده): عن عبد الله بن الزبير، رضي الله تعالى عنهما، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر بسجدة، ثم نام حتى يصلي بعدها صلاته من الليل). فإن قلت: أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق، (عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بيتي..) الحديث، وفيه: (ويصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيتي ويصلي ركعتين)، فهذا مخالف لحديثها المتقدم. قلت: قد وقع عن عائشة اختلاف كثير في أعداد الركعات في صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل، فهذا إما من الرواة عنها، وإما منها باعتبار أنها أخبرت عن حالات، منها ما هو الأغلب من فعله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو نادر، ومنها ما هو بحسب اتساع الوقت وضيقه، ولأبي حنيفة في النهار ما رواه مسلم من حديث معاذة أنها سألت عائشة، رضي الله تعالى عنها: (كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: أربع ركعات يزيد ما شاء). وفي رواية: (ويزيد ما شاء)، وروى أبو يعلى في (مسنده) من حديث عمرة (عن عائشة قالت: سمعت أم المؤمنين عائشة تقول: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي الضحى أربع ركعات لا يفصل بينهن بكلام). (والجواب): من حديث الأربعة الذي فيه ذكر النهار إن الترمذي لما رواه سكت عنه إلا أنه قال: اختلف أصحاب شعبة فيه، فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم، ورواه الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه صلاة النهار، وقال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ. وقال في (سننه الكبرى): إسناده جيد إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فيه، فلم يذكروا فيه النهار، منهم: سالم ونافع وطاووس، والحديث في (الصحيحين) من حديث جماعة عن ابن عمر، وليس فيه ذكر النهار، وقال الدارقطني: في رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ابن عمر مرفوعا (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) غير محفوظ، وإنما تعرف صلاة النهار عن يعلى بن عطاء عن علي البارقي عن ابن عمر، وقد خالفه نافع وهو أحفظ منه فذكر إن صلاة الليل مثنى مثنى والنهار أربعا. فإن قلت: قال البيهقي: سئل أبو عبد الله البخاري عن حديث البارقي هذا: أصحيح هو؟ قال: نعم. وقال ابن الجوزي: هذه زيادة من ثقة فهي مقبولة. قلت: لو كان هذا صحيحا لخرجه البخاري هنا، وقال يحيى: كان شعبة ينفي هذا الحديث، وربما لم يرفعه، وروى إبراهيم الحنيني عن مالك والنمري عن نافع عن ابن عمر، يرفعه: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى). وقال ابن عبد البر: رواية الحنيني خطأ، ولم يتابعه عن مالك أحد.
الوجه الثاني: أن الشافعي احتج به على أن الإيتار بركعة واحدة جائز، واحتج أيضا بحديث عائشة، رضي الله تعالى عنها،