بعث قوما يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلا إلى قوم من المشركين دون اولئك وكان بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عهد فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو عليهم.
.
مطابقته للجزء الأول للترجمة، وهو في قوله: (قال: قبله) أي: قبل الركوع.
ذكر رجاله: وهم أربعة: الأول: مسدد. الثاني: عبد الواحد بن زياد، مر في: باب * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسراء: 58). الثالث: عاصم بن سليمان الأحول. الرابع: أنس ابن مالك، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: السؤال. وفيه: القول في تسعة مواضع. وفيه: أن رجاله كلهم بصريون، وهو من الرباعيات.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن موسى بن إسماعيل، وفي الجنائز عن عمرو بن علي، وفي الجزية عن أبي النعمان محمد بن الفضل وفي الدعوات عن الحسن بن الربيع عن أبي الأحوص. وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر وأبي كريب، كلاهما عن أبي معاوية وعن ابن أبي عمر عن ابن عيينة.
ذكر معناه: قوله: (سألت أنس بن مالك عن القنوت) مراده من هذا السؤال أن يبين له محل القنوت، ولهذا قال: (قلت: قبل الركوع أو بعده) أي: بعد الركوع، فظن أنس أنه كان يسأل عن مشروعية القنوت، فلذلك قال: قد كان القنوت، يعني: كان مشروعا. قوله: (قلت: فإن فلانا) ويروى: (قال: فإن فلانا) لم يعلم من هو هذا الفلان، قيل: يحتمل أن يكون محمد بن سيرين، لأن في الحديث السابق: سأل محمد بن سيرين أنسا، فقال: أوقنت قبل الركوع؟. قوله: (قال: كذب)، أي: قال أنس: كذب فلان. قال الكرماني: فإن قلت: فما قول الشافعية حيث يقنتون بعد الركوع متمسكين بحديث أنس المذكور؟ وقد قال الأصوليون: إذا كذب الأصل الفرع لا يعمل بذلك الحديث ولا يحتج به؟ قلت: لم يكذب أنس محمد بن سيرين، بل كذب فلانا الذي ذكره عاصم، ولعله غير محمد. انتهى. قلت: قد تعسف الكرماني في هذا التصرف، بل معنى قوله: (كذب): أي: أخطأ، وهي لغة أهل الحجاز، يطلقون الكذب على ما هو الأعم من العمد والخطأ، وقال ابن الأثير في (النهاية): ومنه حديث (صلاة الوتر: كذب أبو محمد) أي: أخطأ، سماه كذبا لأنه يشبهه في كونه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الصدق وإن افترقا من حيث النية والقصد، لأن الكاذب يعلم أن ما يقوله كذب والمخطىء لا يعلم، وهذا الرجل ليس بمخبر، وإنما قاله باجتهاد أداه إلى أن الوتر واجب، والاجتهاد لا يدخله الكذب، وإنما يدخله الخطأ، وأبو محمد صحابي، واسمه مسعود بن زيد، وقال الذهبي: مسعود بن زيد ابن سبيع اسم أبي محمد الأنصاري القائل بوجوب الوتر. قوله: (إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا) كلمة: إنما، للحصر، ويستفاد منه أن قنوته بعد الركوع كان محصورا على الشهر، والمفهوم منه أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهرا ثم تركه، وتعسف الكرماني لتمشية مذهبه، وأخرج الكلام عن معناه الحقيقي حيث قال: معناه أنه لم يقنت إلا شهرا في جميع الصلوات بعد الركوع، بل في الصبح فقط، حتى لا يلزم التناقض بين كلاميه، ويكون جمعا بينهما. انتهى. قلت: لا نسلم التناقض لأن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا كان على قوم من المشركين، على ما يجيء إن شاء الله، ثم تركه، والترك يدل على النسخ. قوله: (أراه كان؟) أي: قال أنس، رضي الله تعالى عنه: أظن أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان بعث قوما يقال لهم القراء، وهم طائفة كانوا من أوزاع الناس، نزلوا صفة يتعلمون القرآن، بعثهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الإسلام وليقرأوا عليهم القرآن، فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء، وهم: رعل وذكوان وعصية، وقاتلوهم فقتلوهم ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة، وأغرب مكحول حيث قال: إنها كانت بعد الخندق، وقال ابن إسحاق: فأقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعني: بعد أحد بقية شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم، ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد، قال موسى بن عقبة: وكان أمير القوم المنذر بن عمرو، ويقال: مرثد بن أبي مرثد، وقال ابن سعد: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر الكلابي ملاعب الأسنة، وفي شعر لبيد: ملاعب الرماح، فأهدى للنبي، صلى الله عليه وسلم، فلم يقبل منه، وعرض عليه الإسلام ولم يسلم ولم يبعد من