عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٨
يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، كان يصلي ثماني ركعات ويوتر بركعة، ثم يصلي. قال مسلم: بعد الوتر ركعتين وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ويصلي بين أذان الفجر والإقامة ركعتين). وأخرجه مسلم والنسائي أيضا. وأخرجه أبو داود أيضا من حديث القاسم بن محمد عن عائشة، قالت: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة، ويسجد سجدتي الفجر، فذلك ثلاث عشرة ركعة). وأخرج أيضا من حديث الأسود بن يزيد: (أنه دخل على عائشة فسألها عن صلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالليل فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه يصلي إحدى عشرة ركعة ويترك ركعتين، ثم قبض حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات آخر صلاته من الليل الوتر). وروى أيضا من حديث سعد بن هشام في حديث طويل: أنه سأل عائشة قال: (قلت حدثيني عن قيام الليل! فأخبرت به ثم قال: حدثيني عن وتر النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلم إلا في التاسعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعة، يا بني، فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك تسع ركعات يا بني). إعلم أن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أطلقت على جميع صلاته، صلى الله عليه وسلم، في الليل التي كان فيها الوتر: وترا، فجملتها إحدى عشرة ركعة، وهذا كان قبل أن يبدن ويأخذ اللحم، فلما بدن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات، وههنا أيضا أطلقت على الجميع: وترا، والوتر منها ثلاث ركعات، أربع قبله من النفل وبعده ركعتان، فالجميع تسع ركعات. فإن قلت: قد صرحت في الصورة الأولى بقولها: (لا يجلس إلا في الثامنة ولا يسلم إلا في التاسعة)، وصرحت في الصورة الثانية بقولها: (لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة). قلت: هذا اقتصار منها على بيان جلوس الوتر وسلامه، لأن السائل إنما سأل عن حقيقة الوتر ولم يسأل عن غيره، فأجابت مبينة بما في الوتر من الجلوس على الثانية بدون سلام، والجلوس أيضا على الثالثة بسلام وهذا عين مذهب أبي حنيفة، وسكت عن جلوس الركعات التي قبلها وعن السلام فيها، كما أن السؤال لم يقع عنها، فجوابها قد طابق سؤال السائل، غير أنها أطلقت على الجميع: وترا في الصورتين لكون الوتر فيها، ويؤيد ما ذكرناه ما روى الطحاوي: من حديث يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن (عن عائشة: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما: بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، ويقرأ في الوتر: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس). وأخرج من حديث عمران بن حصين: (أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في الوتر في الركعة الأولى: بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية: قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة: قل هو الله أحد). وقد وقع الاختلاف في أعداد ركعات صلاته، صلى الله عليه وسلم، بالليل من سبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة إلى سبع عشرة ركعة، وقدر عدد ركعات الفرض في اليوم والليلة. فإن قلت: ما تقول في هذا الاختلاف؟ قلت: كل واحد من الرواة مثل عائشة وابن عباس وزيد بن خالد وغيرهم أخبر بما شاهده، وأما الاختلاف عن عائشة فقيل: هو من الرواة عنها، وقيل: هو منها: ويحتمل أنها أخبرت عن حالات: منها: ما هو الأغلب من فعله، صلى الله عليه وسلم، ومنها: ما هو نادر: ومنها: ما هو اتفق من اتساع الوقت وضيقه على ما ذكرناه.
2 ((باب ساعات الوتر)) أي: هذا باب في بيان ساعات الوتر، أي: أوقاته.
قال أبو هريرة أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل النوم مطابقته هذا التعليق للترجمة من حيث إن قبل النوم ساعة من ساعات الوتر، وساعات الوتر هو الليل كله، غير أن أوله من مغيب الشفق على الاختلاف، ولكن لا يجوز تقديمه على صلاة العشاء. وقد استقصينا الكلام فيه في الباب الذي قبله، وهذا التعليق طرف من حديث أورده البخاري من طريق أبي عثمان عن أبي هريرة بلفظ: (وأن أوتر قبل أن نام). ووجه أمره صلى الله عليه وسلم بالوتر لأبي هريرة قبل النوم خشية أن يستولي عليه النوم، فأمره بالأخذ بالثقة، وبهذا وردت الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم منها: حديث
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»