عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٢
وسقط أيضا قوله: الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله، فهذا القائل وقف على دليله ولكن اتبع هواه لغيره، فالحق أحق أن يتبع، والجواب عن خبر عبادة أنه إنما كذب الرجل في قوله كوجوب الصلاة، ولم يقل أحد: أن الوتر واجب كوجوب الصلاة. فإن قلت: قال النجم النسفي صاحب المنظومة.
* والوتر فرض وبدا بذكره * في فجره فساد فرض فجره * قلت: معناه: فرض عملا، سنة سببا واجب علما. وأما خبر طلحة بن عبيد الله فكأنه قبل وجوب الوتر بدليل أنه لم يذكر فيه الحج، فدل على أنه متقدم على وجوب الحج، ولفظة: (زادكم صلاة) مشعرة بتأخر وجوب الوتر، وأما خبر أنس فلا نزاع فيه أنه كان قبل الوجوب، ومن الدليل على وجوبه ما رواه أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم وعن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر)، وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن وقوله: (أوتروا) أمر، وهو للوجوب. فإن قلت: قال الخطابي: تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على أن الوتر غير واجب، ولو كان واجبا لكان عاما، وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء والحفاظ دون العوام. قلت: أهل القرآن بحسب اللغة يتناول كل من معه شيء من القرآن ولو كان آية، فيدخل فيه الحفاظ وغيرهم، على أن القرآن كان في زمنه، صلى الله عليه وسلم، مفرقا بين الصحابة: وبهذا التأويل الفاسد لا يبطل مقتضى الأمر الدال على الوجوب، ولا سيما تأكد الأمر بالوتر بمحبة الله إياه بقوله: (فإن الله وتر يحب الوتر).
ومنها: ما أخرجه الطحاوي قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا ابن لهيعة والليث عن يزيد ابن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مرة: عن خارجة بن حذافة العدوي، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الوتر الوتر، مرتين) وهذا سند صحيح. فإن قلت: كيف تقول: صحيح، وفيه ابن لهيعة وفيه مقال؟ قلت: ذكر ابن لهيعة في هذا وعدم ذكره سواء، والعمدة على الليث بن سعد، ولهذا أخرجه الترمذي ولم يذكر ابن لهيعة، فقال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزرقي (عن خارجة بن حذافة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: الوتر، جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر). وقال أبو عيسى: حديث خارجة بن حذافة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب، وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث، فقال عبد الله بن راشد الزرقي: وهو وهم. وأخرجه الحاكم في (مستدركه) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه لتفرد التابعي من الصحابي قلت: كأنه يشير إلى أن خارجه تفرد عنه ابن أبي مرة، وليس كذلك، فإن أبا عبيد الله محمد بن الربيع الجيزي في (كتاب الصحابة) تأليفه، روى عنه أيضا عبد الرحمن بن جبير، قال: ولم يرو عنه غير أهل مصر، وقال أبو زيد في (كتاب الأسرار): هو حديث مشهور، ولما أخرجه أبو داود سكت عنه، ومن عادته إذا سكت عن حديث أخرجه يدل على صحته عنده ورضاه به، فإن قلت: أعل ابن الجوزي في التحقيق هذا الحديث بعبد الله بن راشد، ونقل عن الدارقطني أنه ضعفه، وقال البخاري: لا نعرف لإسناد هذا الحديث سماع بعضهم من بعض. قلت: عبد الله بن راشد وثقه ابن حبان والحاكم، والدارقطني أخرج حديثه هذا ولم يتعرض إليه بشيء، وإنما تعرض للحديث الذي أخرجه عن ابن عباس، فقال: حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا محمد بن خلف حدثنا أبو يحيى الحماني عبد الحميد حدثنا النضر أبو عمر عن عكرمة (عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم يرى البشر والسرور في وجهه، فقال: إن الله أمدكم بصلاة وهي الوتر). النضر أبو عمر الخراز ضعيف، وهذا الحديث مما يقوي حديث خارجة المذكور ويزيده قوة في صحته. فإن قلت: قال الخطابي. قوله: (أمدكم بصلاة)، يدل على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبة لخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام، فيقول: ألزمكم، أو: فرض عليكم أو نحو ذلك وقد روى أيضا في الحديث: (إن الله قد زادكم صلاة لم تكونوا تصلونها قبل ذلك على تلك الصورة والهيئة وهي الوتر). قلت: لا نسلم أن قوله: (أمدكم بصلاة)، يدل على أنها غير لازمة، بل يدل على أنها لازمة، وذلك لأنه، صلى الله عليه وسلم، نسب ذلك إلى الله تعالى، فلا يكون ذلك إلا واجبا. وتعيين العبارة ليس بشرط في الوجوب قوله: ومعناه
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»