عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٥١
وبين المغرب والعشاء حين اشتبكت النجوم). قلت: أول وقت العصر مختلف فيه، وهو إما بصيرورة ظل كل شيء مثله أو مثليه فيحتمل أنه أخر الظهر إلى أن صار ظل كل شيء مثله، ثم صلاها وصلى عقبها العصر، فيكون قد صلى الظهر في وقتها على قول من يرى أن آخر وقت الظهر بصيرورة ظل كل شيء مثله، ويكون قد صلى العصر في وقتها على قول من يرى: إن أول وقتها بصيرورة ظل كل شيء مثليه، ويصدق على من فعل هذا أنه جمع بينهما والنجوم تشتبك بعد غياب الحمرة، وهو وقت المغرب على قول من يقول: الشفق هو البياض.
فإن قلت: قد ذكر البيهقي في: باب الجمع بين الصلاتين في السفر، عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه: سار حتى غاب الشفق. إلى آخره، ثم قال: ورواه معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع، وقال في الحديث: (أخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوي من الليل، ثم نزل فصلى المغرب والعشاء) قلت: لم يذكر سنده لينظر فيه، وقد أخرجه النسائي بخلاف هذا، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن موسى بن عقبة (عن نافع عن ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جد به أمر أوجد به السير جمع بين المغرب والعشاء). فإن قلت: قد قال البيهقي: ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع، فذكر أنه سار قريبا من ربع الليل ثم نزل فصلى قلت: أنه أسنده في (الخلافيات) من حديث يزيد بن هارون بسنده المذكور، ولفظه: (فسرنا أميالا ثم نزل فصلى)، فلفظه مضطرب كما ترى على وجهين، فاقتصر البيهقي في (السنن) على ما يوافق مقصوده.
فإن قلت: روى الترمذي فقال: حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع (عن ابن عمر أنه استغيث على بعض أهله فجد به السير وأخر المغرب حتى غاب الشفق، ثم نزل فجمع بينهما، ثم أخبرهم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يفعل ذلك إذا جد به السير). وقال: هذا حديث حسن صحيح، وعند أبي داود: (حتى غربت الشمس وبدت النجوم)، وفي حديث سفيان بن سعيد عن يحيى بن سعيد: (أخرها إلى ربع الليل)،، وفي لفظ: (حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق)، وفي لفظ: (حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء). وفي لفظ: (عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما)، وعند ابن خزيمة: (فسرنا حتى كان نصف الليل أو قريبا من نصفه، نزل فصلى) قلت: الكلام في الشفق قد مر، وأما رواية ابن خزيمة ففيها مخالفة للحفاظ من أصحاب نافع فلا يمكن الجمع بينهما فيترك ما فيها لمخالفته للحفاظ، ويؤخذ برواية الحفاظ، وروى أبو داود عن قتيبة، حدثنا عبد الله بن نافع عن أبي داود عن سليمان بن أبي يحيى عن ابن عمر قال: (ما جمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين المغرب والعشاء قط في سفر إلا مرة). وقال أبو داود هذا يروى عن أيوب عن نافع موقوفا على ابن عمر أنه: لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني ليلة استصرخ على صفية، وروى من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين. فإن قلت: روى أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله الرملي الهمداني حدثنا المفضل بن فضالة والليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل (عن معاذ بن جبل، رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غاب الشفق قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن يغيب الشفق أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما). قال أبو داود: رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث المفضل والليث قلت: حكي عن أبي داود أنه أنكر هذا الحديث، وحكي عنه أيضا أنه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم، وحسين بن عبد الله هذا لا يحتج بحديثه، قال ابن المديني: تركت حديثه. وقال أبو جعفر العقيلي: وله غير حديث لا يتابع عليه، وقال أحمد بن حنبل: له أشياء منكرة، وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويرفع المسانيد.
وقال الخطابي في الرد على تأويل أصحابنا: إن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة، وقال ابن قدامة: أن حمل الجمع بين الصلاتين على الجمع الصوري فاسد لوجهين: أحدهما: أنه جاء الخبر صريحا في أنه كان يجمعهما في وقت
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»