الزيادة، ولفظ: فرضت، وإن كان على صيغة المجهول، لكن يدل على أن الله هو الذي فرض، كما مر صريحا في الأحاديث المذكورة آنفا. وقوله: لأنه لو كان الحديث مجرى على ظاهره لما جاز لعائشة إتمامها، جوابه في نفس الحديث، وهو قول عروة: تأولت ما تأول عثمان، لأن الزهري لما روى هذا الحديث عن عروة عن عائشة ظهر له أن الركعتين هو الفرض في حق المسافر، لكن أشكل عليه إتمام عائشة من حيث إنها أخبرت بفرضية الركعتين في حق المسافر، ثم إنها كيف أتمت؟ فسأل عروة بقوله: ما بال عائشة تتم؟ فأجاب عروة بقوله: (تأولت ما تأول عثمان، رضي الله تعالى عنه، وقد ذكرنا الوجوه التي ذكرت في تأول عثمان، وقد ذكر بعضهم الوجوه المذكورة، ثم قال: والمنقول في ذلك أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله ابن الزبير، قال: لما قدم علينا معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة، قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة يصلي بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة انتهى. قلت: هذا الذي ذكره يؤيد ما ذهبنا إليه من وجوب القصر، لأنه قال: كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا، وظاهره أنه كان يرى القصر واجبا للمسافر، وكان يرى حكم المقيم لمن أقام، ونحن أيضا نرى ذلك، غير أن المسافر متى يكون مقيما فيه: فيه خلاف قد ذكرناه، فلا يضرنا هذا الخلاف، ودعوانا في وجوب القصر في حق المسافر، ثم إن هذا القائل ادعى أن إسناد حديث أحمد حسن، ولم يذكر رواته حتى ينظر فيهم، وقول الكرماني: ثم إنه خبر واحد لا يعارض لفظ القرآن.. إلى آخره، قلنا: لا نسلم ذلك على الوجه الذي ذكرتم، لأن نفي الجناح في القصر إنما هو في الزيادة على الركعتين، لأن الصلاة فرضت بمكة: ركعتين ركعتين، وزيدت عليهما: ركعتان في المدينة، والآية مدنية نزلت في إباحة القصر للضاربين في الأرض وهم: المسافرون، فدل على أن إباحة القصر في الزيادة لا في الأصل، لأن الإجماع منعقد على أن المسافر لا يصلي في سفره أقل من ركعتين إلا ما شذ، قول من قال: إن المسافر يصلي ركعة عند الخوف، فلا يعتد بهذا القول، على أنا نقول أيضا: جاء في الحديث المشهور أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بأهل مكة في حجة الوداع ركعتين، ثم أمر مناديا ينادي: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر. ولو كان فرض المسافر أربعا لم يحرمهم فضيلة الجماعة معه، وعند مسلم في رواية: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة المسافر، وأبو بكر وعمر وعثمان ثماني سنين، أو قال ست سنين). وفي رواية له: (صلى في السفر)، ولم يقل: بمنى، وفي رواية له: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين، وصحبت عثمان، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله). وهكذا لفظ رواية أبي داود. وفي رواية ابن ماجة: (صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى).
فإن قلت: روى النسائي من رواية العلاء بن زهير عن عبد الرحمن ابن الأسود (عن عائشة أنها، اعتمرت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي: قصرت فأتممت، وأفطرت فصمت، قال: أحسنت يا عائشة، وما عاب علي). انتهى. قال البيهقي: وهو إسناد صحيح موصول، فهذا يدل على أن القصر غير واجب، إذ لو كان واجبا لأنكر النبي، صلى الله عليه وسلم، على عائشة في إتمامها. قلت: قد اختلف فيه على العلاء بن زهير، فرواه أبو نعيم عنه هكذا، ورواه محمد بن يوسف الفريابي عن العلاء بن زهير عن عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة، فعلى هذا الإسناد غير موصول. وقال النووي في (الخلاصة): هذه اللفظة مشكلة، فإن المعروف أنه، صلى الله عليه وسلم، لم يعتمر إلا أربع عمر، كلهن في ذي القعدة. فإن قلت: روى البزار من رواية المغيرة بن زياد عن عائشة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يسافر فيتم الصلاة ويقصر، ورواه الدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح، ووافقه البيهقي على صحة إسناده. قلت: كيف يحكم بصحته وقد قال أحمد: المغيرة بن زياد منكر الحديث أحاديثه مناكير؟ وقال أبو حاتم وأبو زرعة: شيخ لا يحتج بحديثه؟ وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء، وعادة البيهقي التصحيح عند الاحتجاج لإمامه والتضعيف عند الاحتجاج لغيره.
وقول الكرماني: ثم إن الحديث عام مخصوص بالمغرب والصبح غير سديد، لأن المراد من قولها: فرضت الصلاة، هي الصلاة المعهودة