عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٣١
وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون (عن وقاء بن إياس: خرجنا مع علي، رضي الله تعالى عنه، متوجهين ههنا، وأشار بيده إلى الشام، فصلى ركعتين ركعتين حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة، قالوا: يا أمير المؤمنين هذه الكوفة، أنتم الصلاة؟ قال: لا، حتى ندخلها). ووقاء، بكسر الواو وبعدها قاف ثم مدة: ابن إياس، بكسر الهمزة وتخفيف الياء آخر الحروف. قال صاحب (التلويح): فيه كلام. وقال أبو عمر: روي مثل هذا عن علي من وجوه شتى. قلت: روى ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا عباد بن العوام عن داود بن أبي هند (عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي أن عليا، رضي الله تعالى عنه، خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا، ثم قال: إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين). ورواه عبد الرزاق في (مصنفه): أخبرنا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند (عن أبي حرب بن أبي الأسود: أن عليا لما خرج من البصرة رأى خصا، فقال: لولا هذا الخص لصلينا ركعتين، فقلت: وما الخص؟ قال: بيت من القصب). قلت: هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة. قال أبو عمر: روى سفيان بن عيينة وغيره عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: (خرجت مع علي بن أبي طالب إلى صفين، فلما كان بين الجسر والقنطرة صلى ركعتين)، قال: وسنده صحيح.
النوع الثالث: في اختلاف العلماء في هذا الباب، فعندنا إذا فارق المسافر بيوت المصر يقصر، وفي (المبسوط): يقصر حين يخلف عمران المصر، وفي (الذخيرة): إن كانت لها محلة منتبذة من المصر وكانت قبل ذلك متصلة بها فإنه لا يقصر ما لم يجاوزها، ويخلف دورها بخلاف القرية التي تكون بفناء المصر، فإنه يقصر وإن لم يحاوزها. وفي (التحفة): المقيم إذا نوى السفر ومشى أو ركب لا يصير مسافرا ما لم يخرج من عمران المصر، لأن بنية العمل لا يصير عاملا ما لم يعمل، لأن الصائم إذا نوى الفطر لا يصير مفطرا. وفي (المحيط): والصحيح أنه تعتبر مجاوزة عمران المصر إلا إذا كان ثمة قرية أو قرى متصلة بربض المصر، فحينئذ تعتبر مجاوزة القرى. وقال الشافعي: في البلد يشترط مجاوزة السور لا مجاوزة الأبنية المتصلة بالسور خارجة، وحكى الرافعي وجها: أن المعتبر مجاوزة الدور، ورجح الرافعي هذا الوجه في (المجرد)، والأول في الشرح وإن لم يكن في جهة خروجه سور، أو كان في قرية يشترط مفارقة العمران. وفي (المغني) لابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت مصره أو قريته، ويخلفها وراء ظهره. قال: وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وعن عطاء وسليمان بن موسى: إنهما كانا يبيحان القصر في البلد لمن نوى السفر، وعن الحارث بن أبي ربيعة: إنه أراد سفرا فصلى بالجماعة في منزله ركعتين، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد الله، وعن عطاء أنه قال: إذا دخل عليه وقت صلاة بعد خروجه من منزله قبل أن يفارق بيوت المصر يباح له القصر، وقال مجاهد: إذا ابتدأ السفر بالنهار لا يقصر حتى يدخل الليل، وإذا ابتدأ بالليل لا يقصر حتى يدخل النهار.
9801 حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
.
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن أنسا يخبر في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر صلاته بعدما خرج من المدينة، والترجمة هكذا. والمناسبة بينه وبين أثر علي، رضي الله تعالى عنه، المذكور من حيث إن أثر علي يدل على أن القصر يشرع بفراق الحضر، وحديث أنس كذلك، لأنه يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما قصر حتى فارق المدينة، وكان قصره في ذي الحليفة، لأنه كان أول منزل نزله ولم تحضر قبله صلاة، ولا يصح استدلال من استدل به على إباحة القصر في السفر القصير لكون بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، لأن ذا الحليفة لم تكن منتهى سفر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما خرج إليها يريد مكة، فاتفق نزوله بها وكانت صلاة العصر أول صلاة حضرت بها فقصرها، واستمر على ذلك إلى أن رجع.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: أبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين. الثاني: سفيان الثوري، نص عليه المزي في (الأطراف). الثالث: محمد بن المنكدر، بلفظ اسم الفاعل من الانكدار، ابن عبد الله القرشي التيمي المدني، مات سنة ثلاثين ومائة، قاله الواقدي. الرابع: إبراهيم بن ميسرة ضد الميمنة الطائفي المكي. الخامس: أنس بن مالك.
ذكر لطائف
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»