عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة.
مطابقته للترجمة ما ذكرناه في أول حديث الباب.
ذكر رجاله: وهم خمسة ذكروا غير مرة، وآدم ابن إياس من أفراد البخاري وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب: هشام العامري المدني، وسعيد ابن أبي سعيد المدني، وكنيته أبو سعيد، وأبوه سعيد واسمه: كيسان المقبري، بضم الباء الموحدة: نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان أبو سعيد مجاورا لها.
والحديث أخرجه مسلم في الحج، وقال: حدثني زهير بن حرب، قال): حدثنا يحيى ابن سعيد عن ابن أبي ذئب، قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم).
ذكر الاختلاف فيه في المتن والسند: أما الاختلاف في المتن: فإن رواية البخاري: (مسيرة يوم وليلة)، وفي رواية مسلم: (مسيرة يوم)، والتوفيق بينهما بأن يقال: المراد بيوم في رواية مسلم هو اليوم بليلته. وفي رواية البخاري: (أن تسافر) وفي رواية مسلم: (تسافر) بدون ذكر: أن، وهذا ليس باختلاف على الحقيقة، لأن: أن، مقدرة في رواية مسلم، وفي رواية البخاري: (ليس معها حرمة) وفي رواية مسلم: (إلا مع ذي محرم)، وهذا الاختلاف في الصورة وفي المعنى كلاهما سواء.
وأما الاختلاف في السند: فإن البخاري ومسلما اتفقا في هذه الرواية عن سعيد المقبري عن أبيه، وروى مسلم أيضا بدون ذكر أبيه، فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة أن تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها). وكذلك اختلف فيه على مالك، ففي رواية مسلم عند ذكر أبيه، حيث قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها). وقال أبو داود: أخبرنا عبد الله بن مسلمة والنفيلي عن مالك، قال: وحدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا بشر بن عمر، قال: حدثني مالك عن سعيد بن أبي سعيد، قال الحسن في حديثه عن أبيه: ثم اتفقوا على أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة). قال أبو داود: لم يذكر النفيلي والقعنبي عن أبيه. وقال أبو داود، رواه ابن وهب وعثمان بن عمر عن مالك، كما قال القعنبي، وقال الدارقطني في (الغرائب): رواه بشر بن عمر وإسحاق الفروي عن مالك عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وعند الإسماعيلي من حديث الوليد بن مسلم عن مالك مثل حديث بشر بن عمر، وقال أبو عمر: روى شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وقال الدارقطني في (استدراكه) على الشيخين: كونهما أخرجاه من حديث أبي ذئب عن سعيد عن أبيه، وقال: الصواب: سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أبيه، واحتج بأن مالكا ويحيى بن أبي كثير وسهيلا قالوا: عن سعيد عن أبي هريرة، فهذا الدارقطني رجح رواية إسحاق عن أبيه، ولكن في رواية الشيخين: عن أبيه، زيادة من الثقة، وهي مقبولة، وقد وافق ابن أبي ذئب على قوله: عن أبيه، الليث بن سعد في رواية أبي داود عنه قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها)، والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد، وذكرنا عن مسلم عن قريب بعين الإسناد والمتن، ولكن ليس فيه عن أبيه، كذا رأيته في بعض النسخ، وفي بعضها: عن أبيه، فإن صحت الروايتان يكون على الليث أيضا اختلاف ينظر فيه.
ذكر معناه: قوله: (لا يحل)، فعل مضارع وفاعله قوله: (أن تسافر)، و: أن، مصدرية تقديره: لا يحل لامرأة مسافرتها مسيرة يوم. وقال صاحب (التلويح): الهاء في: مسيرة يوم، للمرة الواحدة، التقدير: أن تسافر مرة واحدة سفرة واحدة مخصوصة بيوم وليلة، وتبعه على هذا صاحب (التوضيح) وهذا تصرف عجيب، ولفظ: (مسيرة) مصدر ميمي بمعنى: السير، كالمعيشة بمعنى العيش، وليست التاء فيه للمرة، وما كل تاء تدخل المصدر تدل على الوحدة. قوله: (تؤمن بالله واليوم