عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٢٤
ذكر ما يستنبط منه: قد مضى في حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، أن مقامه بمكة في حجته كان عشرة أيام، وبين في هذا الحديث أنه قدم مكة رابعة ذي الحجة، وكان يوم الأحد، فصلى الصبح بذي طوى واستهل ذو الحجة في ذلك العام ليلة الخميس، فأقام بمكة يوم الأحد إلى ليلة الخميس ثم نهض ضحوة يوم الخميس إلى منى، فأقام بها باقي نهاره وليلة الجمعة، ثم نهض يوم الجمعة إلى عرفات أي: بعد الزوال، وخطب بنمرة بقرب عرفات، وبقي بها إلى الغروب، ثم أفاض ليلة السبت إلى المزدلفة فأقام بها إلى أن صلى الصبح، ثم أفاض منها إلى طلوع الشمس يوم السبت وهو يوم الأضحى والنفر إلى منى، فرمى جمرة العقبة ضحوة ثم نهض إلى مكة ذلك اليوم، فطاف بالبيت قبل الزوال، ثم رجع في يومه إلى منى فأقام بها باقي يوم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء، ثم أفاض بعد ظهر الثلاثاء، وهور آخر أيام التشريق إلى المحصب، فصلى به الظهر وبات فيه ليلة الأربعاء وفي تلك الليلة أعمر عائشة من التنعيم، ثم طاف طواف الوداع سحرا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء وهو صبيحة رابع عشرة، وأقام عشرة أيام كما ذكر في حديث أنس، ثم نهض إلى المدينة، فكان خروجه من المدينة إلى مكة لأربع بقين من ذي القعدة، وصلى الظهر بذي الحليفة وأحرم بأثرها، وهذا كله مستنبط من قوله: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة من ذي الحجة..) ومن الحديث الذي جاء أن يوم عرفة كان يوم جمعة، وفيه نزلت: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * (المائدة: 3).
ومما يستفاد منه: أن أحمد وداود وأصحابه على جواز فسخ الحج في العمرة، وهو مذهب ابن عباس أيضا لأنه روى أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يجعلوا حجتهم عمرة إلا من كان ساق الهدي، ولا يجوز ذلك عند جمهور العلماء من الصحابة وغيرهم. قال ابن عبد البر: ما أعلم من الصحابة من يجيز ذلك إلا ابن عباس، وتابعه أحمد وداود، وأجاب الجمهور: أن ذلك خص به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز اليوم، والدليل على أن ذلك خاص للصحابة الذين حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم ما رواه أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، قال: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن (عن الحارث ابن بلال بن الحارث عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال: بل لكم خاصة). وأخرجه ابن ماجة والطحاوي أيضا، وروى الطحاوي أيضا: حدثنا ابن أبي عمران قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا عيسى بن يونس عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن المرقع بن صيفي (عن أبي ذر، قال: إنما كان فسخ الحج للركب الذي كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم). وأخرج الطحاوي هذا من سبع طرق، وأخرجه ابن حزم من طريق المرقع، وقال: المرقع مجهول، وقد خالفه ابن عباس وأبو موسى فلم يريا ذلك خاصة، ولا يجوز أن يقال في سنة ثابتة: إنها خاصة لقوم دون قوم إلا بنص قرآن أو سنة صحيحة، قلنا: هذا مردود بأن سائر الصحابة ما وافقوه على هذا، والمرقع معروف غير مجهول، وقد روى عنه مثل يحيى بن سعيد الأنصاري ويونس بن أبي إسحاق وموسى بن عقبة وعبد الله بن ذكوان، ووثقه ابن حبان، واحتج به أبو داود والنسائي وابن ماجة، وعن أحمد: حديث أبي ذر من أن فسخ الحج في العمرة خاصة للصحابة صحيح، والمرقع، بضم الميم وفتح الراء وتشديد القاف المكسورة وفي آخره عين مهملة.
تابعه عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه أي: تابع أبو العالية عطاء بن أبي رباح في روايته عن جابر بن عبد الله، وأخرج البخاري هذه المتابعة مسندة في باب التمتع والإقران والإفراد في كتاب الحج، وسيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى.
4 ((باب في كم يقصر الصلاة)) أي: هذا باب في بيان كم مدة يقصر الإنسان الصلاة فيها إذا قصد الوصول إليها بحيث لا يجوز له القصر إذا كان قصده أقل من تلك المدة؟ ولفظة: كم، استفهامية، ومميزها هو الذي قدرناه. قوله: (يقصر الصلاة) يجوز في: يقصر، أن يكون على بناء الفاعل، وأن يكون على بناء المفعول، فعلى الأول لفظ الصلاة منصوب، وعلى الثاني مرفوع.
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم السفر يوما وليلة
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»