عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٤٥
وإنما الاختلاف بين حديث أبي موسى وبين الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أو آخر ساعة منه، فإما أن يصار إلى الجمع أوالترجيح، فأما الجمع فإنما يمكن بأن يصار إلى القول بالانتقال، وإن لم يقل بالانتقال يكون الأمر بالترجيح، فلا شك أن الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أرجح لكثرتها واتصالها بالسماع، ولهذا لم يختلف في رفعها، والاعتضاد بكونه قول أكثر الصحابة ففيها أوجه من وجوه الترجيح.
وفي حديث أبي موسى وجه واحد من وجوه الترجيح، وهو كونه في أحد الصحيحين دون بقية الأحاديث، ولكن عارض كونه في أحد الصحيحين أمران: أحدهما: أنه ليس متصلا بالسماع بين مخرمة بن بكير وبين أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج، قال أحمد بن حنبل: مخرمة ثقة ولم يسمع من أبيه، وقال عباس الدوري عن ابن معين: مخرمة ضعيف الحديث ليس حديثه بشيء، يقولون: إن حديثه عن أبيه كتاب. والأمر الثاني: أن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة مقطوعا، وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه، وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم.
38 ((باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة)) أي: هذا باب ترجمته إذا نفر الناس عن الإمام... إلى آخره، يعني خرجوا عن مجلس الإمام وذهبوا. قوله: (فصلاة الإمام) كلام إضافي مبتدأ. قوله: (ومن بقي)، عطف عليه، أي: وصلاة منبقي من القوم مع الإمام. قوله: (جائزة) خبر المبتدأ. وفي رواية الأصيلي: تامة. وظاهر هذه الترجمة يدل على أن البخاري، رحمه الله، لا يرى استمرار الجمعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها شرطا في صحة الجمعة، وسيجئ بيان الاختلاف فيه مفصلا، إن شاء الله تعالى.
936 حدثنا معاوية بن عمر و قال حدثنا زائدة عن حصين عن سالم بن أبي الجعد قال حدثنا جابر بن عبد الله قال بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم أذ أقبلت عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا فنزلت هاذه الآية وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما..
مطابقته للترجمة من حيث إن الصحابة لما انفضوا حين إقبال العير ولم يبق منهم إلا اثنا عشر نفسا أتم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة بهم، لأنه لم ينقل أنه أعاد الظهر، فدل على الترجمة من هذه الحيثية.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: معاوية بن عمرو بن المهلب الأزدي البغدادي، أصله كوفي، مات في جمادي الأولى سنة أربع عشرة ومائتين. الثاني: زائدة بن قدامة أبو الصلت الكوفي. الثالث: حصين، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون: ابن عبد الرحمن الواسطي. الرابع: سالم بن أبي الجعد واسم أبي الجعد رافع الكوفي. الخامس: جابر بن عبد الله الأنصاري.
ذكر لطائف إسناده: وفيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في ثلاثة مواضع. وفيه: أن البخاري روى هنا عن معاوية بن عمر وبلا واسطة وروى في مواضع عنه بواسطة عبد الله بن المسندي ومحمد بن عبد الرحيم وأحمد بن أبي رجاء. وفيه: أن رواته ما بين بغدادي وكوفي وواسطي، وقد علم ذلك مما سلف. وفيه: أن مدار هذا الحديث في الصحيحين على حصين المذكور، لأنه تارة يرويه عن سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا، وهي رواية أكثر أصحابه، وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده، وهي رواية قيس بن الربيع وإسرائيل عند ابن مردويه، وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية خالد بن عبد الله عند البخاري في التفسير، وعند مسلم وكذا رواية هشيم عنده أيضا.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في البيوع عن طلق بن غنام عن زائدة وعن محمد هو ابن سلام عن محمد بن فضيل وفي التفسير عن حفص بن عمر عن خالد بن عبد الله. وأخرجه مسلم في الصلاة عن عثمان ابن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن رفاعة بن الهيثم وعن إسماعيل بن سالم. وأخرجه
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»