كاف: ابن هدبة وقيل: ابن عمر، والغطفاني، بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء: من غطفان بن سعيد بن قيس غيلان، وهكذا وقع في رواية مسلم في هذه القصة من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر ولفظه: (جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، لا فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا، فقال: قم فاركعهما). ومن طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه، وفيه: (فقال له: يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما). هكذا رواه حفاظ أصحاب الأعمش عنه. وروى أبو داود من رواية حفص ابن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وعن أبي صالح عن أبي هريرة قالا: (جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: أصليت؟ قال: لا. قال: صل ركعتين تجوز فيهما). وروى النسائي قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر، قال: (جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين؟ قال: لا. قال: قم فاركعهما). وقال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابرا، وأبو الزبير سمع جابرا، قال: (دخل سليك الغطفاني المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، قال: أصليت؟ قال: لا. قال: فصل ركعتين). وأما عمرو فلم يذكر سليكا. وروى أيضا عن أبي صالح عن أبي هريرة وعن أبي سفيان (عن جابر قال: جاء سليك الغطفاني..) الحديث، وروى الطحاوي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش، قال: سمعت أبا صالح يحدث بحديث سليك الغطفاني ثم سمعت أبا سفيان يحدث به عن جابر، فظهر من هذه الروايات أن هذه القصة لسليك، وأن من روى بلفظ: رجل، غير مسمى فالمراد منه: سليك، ففي رواية البخاري بلفظ: رجل، كما مر، وكذلك في رواية أبي داود كرواية البخاري، وفي رواية الترمذي كذلك، وفي رواية للنسائي كذلك، وكذلك لابن ماجة في رواية. وجاء أيضا في هذا الباب من غير جابر، وهو ما رواه الطبراني من طريق أبي صالح: (عن أبي ذر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال لأبي ذر: صليت ركعتين؟ قال: لا..) الحديث، وفي إسناده ابن لهيعة. وشذ بقوله: (وهو يخطب)، فإن الحديث مشهور: (عن أبي ذر أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد..) أخرجه ابن حبان وغيره، وروى الطبراني في (الكبير) من رواية منصور بن الأسود عن الأعمش عن أبي سفيان (عن جابر، قال: دخل النعمان بن قوقل ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب يوم الجمعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ركعتين تجوز فيهما). وروى الدارقطني من حديث معتمر عن أبيه عن قتادة (عن أنس: دخل رجل من قيس المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: قم فاركع ركعتين، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته) فإن قلت: كيف وجه هذه الروايات؟ قلت: كون معنى هذه الأحاديث واحدا لا يمنع تعدد القضية، وأما حديث أنس، رضي الله تعالى عنه فإنه لا يخالف كون الداخل فيه من قيس أن يكون سليكا، فإن سليكا غطفاني، وغطفان من قيس. قوله: (صليت؟) أي: أصليت؟ وهمزة الاستفهام فيه مقدرة، ويروى بإظهار الهمزة.
ذكر ما يستفاد منه: قال النووي: هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي، وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب يستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويكره الجلوس قبل أن يصليهما. وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع الخطبة. وحكي هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين. وقال القاضي: قال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين: لا يصليهما، وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي، رضي الله تعالى عنهم، وحجتهم: الأمر بالإنصات للإمام، وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان عريانا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه، وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله: (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما) وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ صحيحا فيخالفه. قلت: أصحابنا لم يأولوا الأحاديث المذكورة بهذا الذي ذكره حتى يشنع عليهم هذا التشنيع، بل أجابوا بأجوبة غير هذا. الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنصت له حتى فرغ من صلاته، والدليل عليه، ما رواه الدارقطني في (سننه) من حديث عبيد بن محمد العبدي: حدثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس، قال: دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: