ثلاثة أميال من المنار أو من طرف المدينة؟ فالأول قاله القاضي أبو محمد، والثاني قاله محمد بن عبد الحكم. وعن حذيفة: ليس على من على رأس ميل جمعة. وقال صاحب (التوضيح): في حديث الباب رد لقول الكوفيين أن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر، لأن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أخبرت عنهم بفعل دائم أنهم كانوا يتناوبون الجمعة، فدل على لزومها عليهم. قلت: هذا نقله عن القرطبي، وهو ليس بصحيح، لأنه لو كان واجبا على أهل العوالي ما تناوبوا، ولكانوا يحضرون جميعا.
وفيه من الفوائد: رفق العالم بالمتعلم، واستحباب التنظيف لمجالسة أهل الخير، واجتناب أذى المسلم بكل طريق، وحرص الصحابة على امتثال الأمر ولو شق عليهم.
16 ((باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس)) أي: هذا باب في بيان أن وقت صلاة الجمعة إذا زالت الشمس من كبد السماء: وقال بعضهم: جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده. قلت: لا حاجة إلى القيد بلفظ: عنده، لأن عند غيره أيضا من جماهير العلماء: إن وقت الجمعة إذا زالت الشمس.
وكذالك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله تعالى عنهم أي: كما ذكرنا: إن وقت الجمعة إذا زالت الشمس، كذلك روي عن هؤلاء الصحابة، رضي الله تعالى عنهم. وهذه أربع تعاليق.
الأول: عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، فرواه ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه: صلى مع أبي بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، حين تزول الشمس، وفي حديث السقيفة، عن ابن عباس قال: فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس خرج عمر فجلس على المنبر.
الثاني: عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، فرواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن أبي العنبس عمرو بن مروان عن أبيه، قال: كنا نجمع مع علي إذا زالت الشمس، وقال ابن حزم: روينا عن أبي إسحاق، قال: شهدت علي بن أبي طالب يصلي الجمعة إذا زالت الشمس.
عن النعمان بن بشير، فرواه ابن أبي شيبة بسند صحيح: عن عبيد الله بن موسى عن سماك، قال: كان النعمان يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس. انتهى. وكان النعمان أميرا على الكوفة في أول خلافة يزيد بن معاوية.
الرابع: عن عمرو بن حريث، فرواه ابن أبي شيبة أيضا من طريق الوليد بن الغيزار قال: (ما رأيت إماما كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث، فكان يصليها إذا زالت الشمس). إسناده صحيح، وكان عمرو ينوب عن زياد وعن ولده في الكوفة أيضا. فإن قلت: لم اقتصر البخاري على هؤلاء الصحابة دون غيرهم؟ قلت: قيل: لأنه نقل عنهم خلاف ذلك، وفي التوضيح لأنه روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله تعالى عنهم، أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، من طريق لا يثبت قاله ابن بطال. وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي رزين، قال: كنا نصلي مع علي الجمعة فأحيانا نجد فيئا، وأحيانا لا نجد. وروي أيضا عن طريق عبد الله بن سلمة، بكسر اللام، وقال: صلى بنا عبد الله يعني ابن مسعود الجمعة ضحى، وقال: خشيت عليكم الحر. وروي أيضا من طريق سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية الجمعة ضحى، وروي أيضا عن غندر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن مصعب بن سعد قال: كان سعد يقيل بعد الجمعة. قلت: الجواب عما روي عن علي، رضي الله تعالى عنه، إنه محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلا، وأما الذي روي عن ابن مسعود، ففيه عبد الله، وهو صدوق ولكنه تغير لما كبر، قاله شعبة وغيره، وأما الذي روى عن معاوية ففي سنده سعد، ذكره ابن عدي في الضعفاء. وقال البخاري: لا يتابع على حديثه، وأما الذي روى عن سعد فلا يدل على فعلها قبل الزوال، بل أنه كان يؤخر النوم للقائلة إلى بعد الزوال لاشتغاله بالتهيئة إلى الجمعة من الغسل والتنظيف أو لتبكيره إليها.
26 - (حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يحيى بن سعيد أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة فقالت قالت عائشة رضي الله عنها كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا