عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ١٩٦
عزيمة لا تزول بترك بقية الأذان. انتهى. قلت: كأن الإسماعيلي إنما استشكل هذا بالنظر إلى معنى العزيمة، وهو ما يكون ثابتا ابتداء غير متصل بمعارض، ولكن المراد بقول ابن عباس: وإن كانت الجمعة عزيمة، ولكن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة، وهذا مذهب ابن عباس: أن من جملة الأعذار لترك الجمعة المطر، وإليه ذهب ابن سيرين وعبد الرحمن بن سمرة وهو قول أحمد وإسحاق. وقالت طائفة: لا يتخلف عن الجمعة في اليوم المطير، وروى ابن قانع: قيل لمالك: أتتخلف عن الجمعة في اليوم المطير؟ قال: ما سمعت، قيل له: في الحديث: (ألا صلوا في الرحال!) قال: ذلك في السفر، وقد رخص في ترك الجمعة بأعذار أخر غير المطر، روى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يتخلف عنها لجنازة أخ من إخوانه لينظر في أمره. وقال ابن حبيب عن مالك: وكذا إن كان له مريض يخشى عليه الموت، وقد زار ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، ابنا لسعد بن زيد ذكر له شكواه، فأتاه إلى العقيق وترك الجمعة، وهو مذهب عطاء والأوزاعي. وقال الشافعي في أمر الوالد: إذا خاف فوات نفسه. وقال عطاء: إذا استصرخ على أبيك يوم الجمعة والإمام يخطب فقم إليه واترك الجمعة. وقال الحسن: يرخص ترك الجمعة للخائف، وقال مالك في (الواضحة): وليس على المريض والصحيح الفاني جمعة. وقال أبو مجلز: إذا اشتكى بطنه لا يأتي الجمعة. وقال ابن حبيب: أرخص صلى الله عليه وسلم في التخلف عنها لمن شهد الفطر والأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة، لما في رجوعه من المشقة لما أصابهم من شغل العيد، وفعله عثمان، رضي الله تعالى عنه، لأهل الغوالي، واختلف قول مالك فيه، والصحيح عند الشافعية: السقوط، واختلف في تخلف العروس والمجذوم، حكاه ابن التين، واعتبر بعضهم شدة المطر، واختلف عن مالك: هل عليه أن يشهدها؟ وكذا روي عنه، فيمن يكون مع صاحبه فيشتد مرضه: لا يدع الجمعة إلا أن يكون في الموت. قوله: (أن أحرجكم) من الإحراج، بالحاء المهملة وبالجيم من: الحرج، وهو المشقة. والمعنى: إني كرهت أن أشق عليكم بإلزامكم السعي إلى الجمعة في الطين والمطر. ويروى: (أن أخرجكم) من الإخراج، بالخاء المعجمة من الخروج. ويروى: (كرهت أو أؤثمكم) أي: أن أكون سببا لاكتسابكم الإثم عند ضيق صدوركم. قوله: (في الدحض)، بفتح الدال والحاء المهملتين وفي آخره ضاد معجمة، ويجوز تسكين الحاء وهو: الزلق. قال في (المطالع): كذا في رواية الكافة، وعند القابسي بالراء، وفسره بعضهم بما يجري في البيوت من الرحاضة، وهو بعيد إنما الرحض: الغسل، والمرحاض خشبة يضرب بها الثوب ليغسل عند الغسل، وأما ابن التين فإنه ذكره بالراء. قال: وكذا لأبي الحسن، ورحضت الشيء غسلته، ومنه المرحاض، أي: المغتسل، فوجهه أن الأرض حين يصيبها المطر تصير كالمغتسل، والجامع بينهما: الزلق.
15 ((باب من أين تؤتى الجمعة وعلى عن تجب لقول الله عز وجل * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9).)) أي: هذا باب ترجمته: من أين تؤتى الجمعة؟ وكلمة: أين، استفهام عن المكان. وقوله: تؤتى، مجهول من الإتيان. قوله: (وعلى من تجب؟) أي: الجمعة. قوله: (لقوله تعالى) يتعلق بقوله: (تجب)، وأراد بإيراده بعض هذه الآية الكريمة الإشارة إلى وجوب الجمعة، وهذا لا خلاف فيه، ولكن الخلاف فيمن تجب عليه، فكأنه ذكر الترجمة بالاستفهام لهذا المعنى، وقد تكلمنا فيما يتعلق بالآية الكريمة في أول كتاب الجمعة لأنه ذكر الآية الكريمة هناك.
وقال عطاء إذا كنت في قرية جامعة فنودي بالصلاة من يوم الجمعة فحق عليك أن تشهدها سمعت النداء أو لم تسمعه عطاء هو: ابن أبي رباح، ووصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، وزاد في روايته: عن ابن جريج أيضا قلت لعطاء: ما القرية الجامعة؟ قال: ذات الجماعة والأمير والقاضي والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض، مثل جدة. انتهى. قلت: هذا الذي ذكره حد المدينة أطلق عليها اسم القرية. كما في قوله تعالى: على رجل من القريتين) * (الزخرف: 31). وهما: مكة والطائف، وبهذا قال أصحابنا الحنفية. قوله: (سمعت النداء أو لم تسمعه) يعني: إذا كان داخل البلد، وبهذا صرح
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»