ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة حتى يكاد الوقت أن يخرج، واستدل به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر، لأن أنسا سوى بينهما في جوابه للحكم المذكور، حتى قيل: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر خلافا لمن أجاز الجمعة قبل الزوال؟ وقال التيمي: معنى الحديث أن الجمعة وقتها وقت الظهر، وأنها تصلى بعد الزوال ويبرد بها في شدة الحر، ولا يكون الإبراد إلا بعد تمكن الوقت، 18 ((باب المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره فاسعوا إلى ذكر الله ومن قال السعي العمل والذهاب لقوله تعالى: * (وسعى لها سعيها) * () الإسراء: 19).)) أي: هذا باب في بيان المشي إلى صلاة الجمعة، أراد أن في حالة المشي إليها ما يترتب من الحكم. قوله: (وقول الله) بالجر عطف على قوله: (المشي) أي: وفي بيان معنى قول الله عز وجل: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9). والسعي في لسان العرب: الإسراع في المشي والاشتداد. وفي (المحكم): السعي عدو دون الشد، سعى يسعى سعيا، والسعي الكسب وكل عمل من خير أو شر سعي. وقال ابن التين: ذهب مالك إلى أن المشي والمضي يسميان سعيا من حيث كانا عملا، وكل من عمل بيده أو غيرها، فقد سعى، وأما السعي بمعنى الجري فهو الإسراع، يقال: سعى إلى كذا بمعنى: العدو، والجري، فيتعدى بإلى، وإن كان بمعنى العمل فيتعدى باللام. وقال الكرماني: في قوله: * (وسعى لها سعيها) * (الإسراء: 19). أي: عمل لها وذهب إليها. فإن قلت: هذا معدى باللام، وذلك بإلى؟ قلت لا تفاوت بينهما إلا بإرادة الاختصاص والانتهاء. انتهى كلامه. قلت: الفرق بين: سعى له وسعى إليه، بما ذكرنا، وهو الذي ذكره أهل اللغة وإليه أشار البخاري. بقوله: (ومن قال السعي: العمل) والذهاب يعني من فسر السعي بالعمل والذهاب يقول باللام كما في قوله تعالى: * (وسعى لها سعيها) * (الإسراء: 19). أي: عمل لها، ولكن: باللام، لا تأتي إلا في تفسير السعي بالعمل، وأما في تفسير السعي بالذهاب فلا يأتي إلا بإلى، ثم اختلفوا في معنى قوله تعالى: * (فاسعوا) * (الجمعة: 9). فمنهم من قال: معناه: فامضوا، واحتجوا بأن عمر وابن مسعود، 0 ما، كانا يقرآن: فامضوا إلى ذكر الله. قالا: ولو قرأناها فاسعوا لسعينا حتى يسقط رداؤنا. وقال عمر، رضي الله تعالى عنه، لأبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه، وقرأ: فاسعوا، لا تزال تقرأ المنسوخ؟ كذا ذكره ابن الأثير. وفي تفسير عبد بن حميد، قيل لعمر، رضي الله تعالى عنه: إن أبيا يقرأ: فاسعوا: فامشوا؟ فقال عمر: أبي أعلمنا بالمنسوخ. وفي (المعاني) للزجاج: وقرأ أبي وابن مسعود: فامضوا، وكذا ابن الزبير فيما ذكره ابن التين، ومنهم من قال: معنى: فاسعوا، فاقصدوا. وفي تفسير أبي القاسم الجوزي: فاسعوا، أي: فاقصدوا إلى صلاة الجمعة، ومنهم من قال: معناه: فامشوا، كما ذكرناه عن أبي. وقال ابن التين: ولم يذكر أحد من المفسرين أنه الجريء، وقد ذكرنا نبذا من ذلك في أول كتاب الجمعة.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يحرم البيع حينئذ أي: حين نودي للصلاة، وهذا التعليق وصله ابن حزم من طريق عكرمة عن ابن عباس بلفظ: (لا يصلح البيع يوم الجمعة حتى ينادى للصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع). وقال الزجاج: البيع في وقت الزوال من يوم الجمعة إلى انقضاء الصلاة كالحرام. وقال الفراء: إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء، لأنه إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء. ولأن المشتري والبائع يقع عليهما البيعان، وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي: عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحرم التجارة عند الأذان، ويحرم الكلام عند الخطبة، ويحل الكلام بعد الخطبة وتحل التجارة بعد الصلاة). وعن قتادة: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة حرم البيع والشراء). وقال الضحاك: إذا زالت الشمس، وعن عطاء والحسن مثله، وعن أيوب: لأهل المدينة ساعة يوم الجمعة ينادون: حرم البيع، وذلك عند خروج الإمام وفي (المصنف): عن مسلم ابن يسار إذا علمت أن النهار قد انتصف يوم الجمعة فلا تتبايعن شيئا. وعن مجاهد: من باع شيئا بعد زوال الشمس يوم الجمعة فإن بيعه مردود. وقال صاحب (الهداية) قيل: المعتبر في وجوب السعي وحرمة البيع هو الأذان الأصلي الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي المنبر. قلت: هو مذهب الطحاوي، فإنه قال: هو ا لمعتبر في وجوب السعي إلى الجمعة على المكلف، وفي حرمة البيع والشراء، وفي (فتاوى العتابي): هو المختار، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر فقهاء الأمصار، ونص في المرغيناني: أنه هو