عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٢٩٠
وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فأخرجه الحافظ البوشنجي ' أن النبي صلى بهم المغرب وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ' (قلت) في إسناده نظر * وأما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه الحاكم في الإكليل من حديث سليمان بن مسلم المكي عن نافع عن ابن عمر عن أبي ابن مليكة عنه بلفظ ' من ترك من أم القرآن بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله ' (قلت) لا يدل على الجهر. وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فأخرجه الدارقطني بإسناد فيه ضعف قال ' جاء رجل إلى النبي فقال إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزيني منه فقال بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ' (قلت) ضعيف ولا يدل على إثبات الجهر. وأما حديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فأخرجه الحافظ أبو القاسم الغافقي الأندلسي في كتابه المسلسل بسند فيه مجاهيل أنه قال ' عن النبي عن جبريل عليه الصلاة والسلام عن إسرافيل عليه الصلاة والسلام عن رب العزة عز وجل فقال من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متصلة بفاتحة الكتاب في صلاته غفرت ذنوبه ' (قلت) ضعيف ولا يدل على إثبات الجهر. وأما حديث مجالد بن ثور وبشر بن معاوية فأخرجه الخطيب بسند فيه مجهولون أنهما كانا من الوفد الذين قدموا على رسول الله فعلمهما يس وقرأ الحمد لله رب العالمين والمعوذات الثلاث وعلمهما الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم والجهر بها في الصلاة. وأما حديث الحسين بن عرفطة الأسدي فأخرجه أبو موسى المديني في كتاب المستفاد بالنظر وبالكتابة في معرفة الصحابة قال كان اسمه حسيلا فسماه سيدنا رسول الله حسينا ثم ذكر بسند فيه مجاهيل أن النبي قال له إذا قمت إلى الصلاة فقل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى تختمها ببسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد إلى آخرها. وأما حديث أبي موسى الأشعري فأخرجه البوشنجي بإسناده عن أبي بردة عنه أن النبي كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (قلت) في إسناده نظر. وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها فكلها ضعيفة وأحاديث الجهر ليست مخرجة في الصحاح ولا في المسانيد المشهورة ولم يرو أكثرها إلا الحاكم والدارقطني فالحاكم قد عرف تساهله وتصحيحه للأحاديث الضعيفة بل الموضوعة والدارقطني فقد ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة والشاذة والمعللة وكم فيه من حديث لا يوجد فيه غيره وفي رواتها الكذابون والضعفاء والمجاهيل الذين لا يوجدون في كتب التواريخ ولا في كتب الجرح والتعديل كعمرو بن شمر وجابر بن الجعفي وحصين بن مخارق وعمر بن حفص المكي وعبد الله بن عمرو بن حسان وأبي الصلت الهروي الملقب بجراب الكذب وعمر بن هارون البلخي وعيسى بن ميمون المدني وآخرون وكيف يجوز أن يعارض برواية هؤلاء ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس الذي رواه عنه غير واحد من الأئمة الثقات الأثبات ومنهم قتادة الذي كان أحفظ أهل زمانه ويرويه عنه شعبة الملقب بأمير المؤمنين في الحديث وتلقاه الأئمة بالقبول وهذا البخاري مع شدة تعصبه وفرط تحمله على مذهب أبي حنيفة لم يودع في صحيحه منها حديثا واحدا وقد تعب كثيرا في تحصيل حديث صحيح في الجهر حتى يخرجه في صحيحه فما ظفر به وكذلك مسلم لم يذكر شيئا من ذلك ولم يذكرا في هذا الباب إلا حديث أنس الدال على الإخفاء (فإن قلت) أنهما لم يلتزما أن يودعا في صحيحيهما كل حديث صحيح فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة (قلت) هذا لا يقوله إلا كل مكابر أو سخيف فإن مسألة الجهر من اعلام المسائل ومعضلات الفقه ومن أكثرها دورانا في المناظرة وجولانا في المصنفات ولو حلف الشخص بالله أيمانا مؤكدة أن البخاري لو اطلع على حديث منها موافق لشرطه أو قريب منه لم يخل منه كتابه ولإن سلمنا فهذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة والأسانيد الضعيفة لم يخرجوا منها شيئا فلولا أنها واهية عندهم بالكلية لما تركوها وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة وهو أقوى ما فيه عندهم وقد بينا ضعفه من وجوه. (فإن قلت) أحاديث الجهر تقدم على أحاديث الإخفاء بأشياء. منها كثرة الرواة فإن أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة وهما أنس بن مالك وعبد الله بن مغفل وأحاديث الجهر فرواها أكثر من عشرين صحابيا كما ذكرنا. ومنها أن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي وأحاديث الجهر شهادة على إثبات والإثبات مقدم على النفي. ومنها أن أنسا قد روي عنه إنكار ذلك في الجملة
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»