ستة وتسعون حديثا، والمعلق ستة وعشرون، وعلى سبعة عشر أثرا من الصحابة والتابعين، شرع في بيان صفة الصلاة بأنواعها وسائر ما يتعلق بها بتفاصيلها، فقال:
82 ((باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة)) أي: هذا باب في بيان إيجاب تكبيرة الإحرام، ثم: الواو، في: وافتتاح الصلاة، قال بعضهم: الظاهر أنها عاطفة إما على المضاف وهو إيجاب، وإما على المضاف إليه وهو التكبير، والأول أولى إن كان المراد بالافتتاح الدعاء، لأنه لا يجب. والذي يظهر من سياقه أن: الواو، بمعنى: مع، وإن المراد بالافتتاح: الشروع في الصلاة. انتهى. قلت: لا نسلم أن: الواو، هنا عاطفة، فلا يصح قوله: إما على المضاف وإما على المضاف إليه، بل: الواو، هنا إما بمعنى: باء الجر، كما في قولهم: أنت أعلم ومالك، والمعنى: إيجاب التكبير بافتتاح الصلاة. وأما بمعنى: لام التعليل، والمعنى: إيجاب التكبير لأجل افتتاح الصلاة. ومجئ: الواو، بمعنى: لام التعليل، ذكره الخارزنجي، ويجوز أن تكون بمعنى: مع، أي: إيجاب التكبير مع افتتاح الصلاة، ومجئ: الواو، بمعنى: مع، شائع ذائع.
ثم إعلم أنه كان ينبغي أن يقول: باب وجوب التكبير، لأن الإيجاب هو الخطاب الذي يعتبر فيه جانب الفاعل، والوجوب هو الذي يعتبر فيه جانب المفعول، وهو فعل المكلف، وإطلاق الإيجاب على الوجوب تسامح.
واختلف العلماء في تكبيرة الإحرام، فقال أبو حنيفة: هي شرط، وقال مالك والشافعي وأحمد: ركن. وقال ابن المنذر: وقال الزهري: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير، قال أبو بكر: ولم يقل به غيره. قال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تكبيرة الإحرام، وذهبت طائفة إلى أنها سنة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والحكم والزهري والأوزاعي، وقالوا: إن تكبير الركوع يجزيه عن تكبير الإحرام، وروي عن مالك في المأموم ما يدل على أنه سنة، ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنه واجب على كل واحد منهما، وأن من نسيه يستأنف الصلاة. وفي (المغني) لابن قدامة: التكبير ركن لا تنعقد الصلاة إلا به، سواء تركه سهوا أو عمدا. قال: وهذا قول ربيعة والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وحكى الثوري وأبو الحسن الكرخي الحنفي عن ابن علية، والأصم كقول الزهري في انعقاد الصلاة بمجرد النية بغير تكبير، وقال عبد العزيز ابن إبراهيم بن بزيزة: قالت طائفة بوجوب تكبير الصلاة كله، وعكس آخرون فقالوا: كل تكبيرة في الصلاة ليست بواجبة مطلقا، منهم: ابن شهاب وابن المسيب، وأجازوا الإحرام بالنية لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، والجمهور أوجبوها خاصة دون ما عداها. واختلف مذهب مالك: هل يحملها الإمام عن المأموم أم لا؟ فيه قولان في المذهب.
ثم اختلف العلماء: هل يجزئ الافتتاح بالتسبيح والتهليل مكان التكبير؟ فقال مالك وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يجزئ إلا: الله أكبر، وعن الشافعي أنه يجزئ: الله الأكبر. وقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز بكل لفظ يقصد به التعظيم، وذكر في (الهداية) قال أبو يوسف: إن كان المصلي يحسن التكبير لم يجز إلا: الله أكبر، أو: الله الأكبر، أو الله الكبير، وإن لم يحسن جاز. وقال بعضهم: استدل بحديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير)، وبحديث ابن عمر: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة) على تعيين لفظ: التكبير، دون لفظ غيره من ألفاظ التعظيم، وكذلك استدلوا بحديث رفاعة في قصة المسئ صلاته، أخرجه أبو داود: (لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر). وبحديث أبي حميد: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة عقد قائما ورفع يديه ثم قال: الله أكبر)، أخرجه الترمذي قلت: التكبير هو التعظيم من حيث اللغة، كما في قوله تعالى: * (فلما رأينه أكبرنه) * (يوسف: 31). أي: عظمنه. * (وربك فكبر) * (المدثر: 3) أي: فعظم، فكل لفظ دل على التعظيم وجب أن يجوز الشروع به، ومن أين قالوا: إن التكبير وجب بعينه حتى يقتصر على لفظ: أكبر؟ والأصل في خطاب الشرع أن تكون نصوصه معلومة معقولة، والتقييد خلاف في الأصل على ما عرف في الأصول. وقال تعالى: * (وذكر اسم ربه فصلى) * (الأعلى: 15) وذكر اسمه تعالى أعم من أن يكون: باسم الله، أو: باسم الرحمن، فجاز الرحمن أعظم، كما جاز: الله أكبر، لأنهما في كونهما ذكرا سواء، قال الله تعالى: * (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) * (الأعراف: 180) وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)، فمن