شخصه. قوله: (فلما أصبح ذكر ذلك الناس) أي: للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر، رضي الله تعالى عنه، أخرجه معمر عن الزهري عن عروة عنها. قوله: (أن تكتب)، أي: تفرض، وقال الخطابي: قد يقال عليه: كيف يجوز أن تكتب علينا صلاة وقد أكمل الله الفرائض، ورد عدد الخمسين منها إلى الخمس؟ فقيل: إن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله التي تفضل بالشريعة واجب على الأمة الائتساء به فيها، وكان أصحابه إذا رأوه يواظب على فعل يقتدون به، ويرونه واجبا، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الخروج في الليلة الرابعة، وترك الصلاة فيها لئلا يدخل ذلك الفعل في الواجبات كالمكتوبة عليهم من طريق الأمر بالاقتداء به، فالزيادة إنما تجب عليهم من جهة وجوب الاقتداء بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا من جهة إنشاء فرض يستأنف زائدا، وهذا كما يوجب الرجل على نفسه صلاة نذر، ولا يدل ذلك على زيادة جملة في الشرع المفروض في الأصل، وفيه وجه آخر، وهو أن الله تعالى فرض الصلاة أولا خمسين، ثم حط بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم معظمها تخفيفا عن أمته، فإذا عادت الأمة فيما استوهبت وتبرعت بالعمل به لم يستنكر أن يكتب فرضا عليهم، وقد ذكر الله عن النصارى أنهم ابتدعوا رهبانية ما كتبها الله عليهم، ثم لما قصروا فيها لحقتهم الملامة في قوله: * (فما رعوها حق رعايتها) * (الحديد: 27). فأشفق صلى الله عليه وسلم أن يكون سبيلهم أولئك، فقطع العمل به تخفيفا عن أمته.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: ما قاله المهلب جواز الائتمام بمن لم ينو أن يكون إماما في تلك الصلاة، لأن الناس ائتموا به صلى الله عليه وسلم من وراء الحائط، ولم يعقد النية معهم على الإمامة، وهو قول مالك والشافعي قلت: هو مذهب أبي حنيفة أيضا إلا أن أصحابنا قالوا: لا بد من نية الإمامة في حق النساء، خلافا لزفر. وفيه: أن فعل النوافل في البيت أفضل. وقال ابن القاسم عن مالك: إن التنفل في البيوت أفضل إلي منه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا للغرباء. وفيه: جواز النافلة في جماعة. وفيه: أيضا شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته خشية أن تكتب عليهم صلاة الليل فيعجزوا عنها، فترك الخروج لئلا يخرج ذلك الفعل منه. وفيه: أن الجدار ونحوه لا يمنع الاقتداء بالإمام، وعليه ترجمة الباب. قلت: إنما يجوز ذلك إذا لم يلتبس عليه حال الإمام.
81 ((باب صلاة الليل)) أي: هذا باب في بيان صلاة الليل، لم تقع هذه الترجمة على هذا الوجه إلا في رواية المستملي وحده، ولا وجه لذكرها ههنا، لأن الأبواب ههنا في الصفوف وإقامتها، ولهذا لا يوجد في كثير من النسخ، ولا تعرض إليه الشراح، ولصلاة الليل بخصوصها كتاب مفرد سيأتي في أواخر الصلاة، وقد تكلف بعضهم فذكر مناسبة لذكر هذه الترجمة هنا فقال: لما كان المصلي الذي بينه وبين إمامه حائل من جدار ونحوه قد يظن أنه يمنع من إقامة الصف، ذكر هذه الترجمة بما فيها دفعا لذلك. وقيل: وجه ذلك أن من صلى بالليل مأموما كان له في ذلك شبه بمن صلى وراء حائط.
730 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل فثاب إليه ناس فصلوا وراءه.
مطابقته للترجمة في قوله: (فصفوا وراءه)، لأن صفهم وراء النبي صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الليل.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: إبراهيم بن المنذر أبو إسحاق المدني، وقد مر ذكره غير مرة. الثاني: ابن أبي الفديك، بضم الفاء وفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره كاف، وقد يستعمل بالألف واللام وبدونها: من فدكت القطن إذا نفشته، وهو محمد بن إسماعيل ابن مسلم بن أبي فديك، واسم أبي فديك: دينار الديلي أو إسماعيل المدني. الثالث: ابن أبي ذئب، بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة: وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذيب، واسم أبي ذيب هشام بن شعبة أبو الحارث المدني. الرابع: المقبري، بفتح الميم وسكون القاف وضم الباء الموحدة وكسرها، وقيل: بفتحها أيضا، وهي نسبة إلى المقبرة، والمراد به ههنا، سعيد بن أبي سعيد، واسم أبي سعيد: كيسان أبو سعيد المدني، وسمي بالمقبري