قال لا إله إلا الرحمن أو العزيز كان مسلما، فإذا جاز ذلك في الإيمان الذي هو أصل، ففي فروعه أولى. وفي (سنن ابن أبي شيبة): عن أبي العالية أنه سئل: بأي شيء كان الأنبياء عليهم السلام، يستفتحون الصلاة؟ قال: بالتوحيد والتسبيح والتهليل. وعن الشعبي قال: بأي شيء من أسماء الله تعالى افتتحت الصلاة أجزأك، ومثله عن النخعي وعن إبراهيم: إذا سبح أو كبر أو هلل أجزأ في الافتتاح، والجواب عن حديث رفاعة: أنه صلى الله عليه وسلم قد أثبتها صلاة ونفى قبولها، ويجوز أن تكون جائزة ولا تكون مقبولة، إذ لا يلزم من الجواز القبول، وعندهم لا تكون صلاة فلا حجة فيه.
732 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك الأنصاري أن رسول الله ركب فرسا فجحش شقه الأيمن قال أنس رضي الله عنه فصلى لنا يومئذ صلاة من الصلوات هو قاعد فصلينا وراءه قعودا ثم قال لما سلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد.
هذا الحديث أخرجه البخاري في: باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، عن عبد الله بن يوسف عن مالك ابن شهاب عن أنس، وبينهما تفاوت في بعض الألفاظ، فهناك: (ركب فرسا فصرع عنه فجحش) وهناك بعد قوله: (وراءه قعودا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام)، وليس هناك: (وإذا سجد فاسجدوا)، وفي آخره هناك: (وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون). وفي نفس الأمر هذا الحديث والذي بعده في ذلك الباب حديث واحد، فالكل من حديث الزهري عن أنس، رضي الله تعالى عنه، فإذا كان الأمر كذلك ففي الحديث الذي يتلوه: (وإذا كبر فكبروا)، وهو مقدر أيضا في هذا الحديث، لأن قوله: (إذا ركع فاركعوا)، يستدعي سبق التكبير بلا شك، والمقدر كالملفوظ، فحينئذ يظهر التطابق بين ترجمة الباب وبين هذين الحديثين، لأن الأمر بالتكبير صريح في أحدهما، مقدر في الآخر، والأمر به للوجوب، فدل على الجزء الأول من الترجمة وهو قوله: باب إيجاب التكبير.
وأما دلالته على الجزء الثاني وهو قوله: وافتتاح الصلاة، فبطريق اللزوم، لأن التكبير في أول الصلاة لا يكون إلا عند افتتاحها، وافتتاحها هو الشروع فيها، فإذا أمعنت النظر فيما قلت عرفت أن اعتراض الإسماعيلي على البخاري ههنا ليس بشيء، وهو قوله: ليس في حديث شعيب ذكر التكبير ولا ذكر الافتتاح، ومع هذا فحديث الليث الذي ذكره إنما فيه: (إذا كبر فكبروا)، ليس فيه بيان إيجاب التكبير، وإنما فيه بيان إيجاب التي يكبرون بها لا يسبقون إمامهم بها، ولو كان ذلك إيجابا للتكبير بهذا اللفظ لكان قوله: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، إيجابا لهذا القول على المؤتم. انتهى.
وقد قلنا: إن هذه الأحاديث الثلاثة في حكم حديث واحد وقد بينا وجهه، وأنه يدل على وجوب التكبير، وبطريق اللزوم يدل على افتتاح الصلاة، وقوله: وليس فيه بيان إيجاب التكبير، ممنوع، وكيف لا يدل وقد أمر به صلى الله عليه وسلم، وعن هذا قال ابن التين وابن بطال: تكبيرة الإحرام واجبة بهذا اللفظ، أعني بقوله: (فكبروا)، لأنه ذكر تكبيرة الإحرام دون غيرها من سائر التكبيرات، والأمر للوجوب. وقوله: ولو كان ذلك إيجابا... إلى آخره، قياس غير صحيح، لأن التحميد غير واجب على المؤتم بالإجماع، ولا يضر ذلك إيجاب الظاهرية إياه على المؤتم، لأن خلافهم لا يعتبر، ولئن سلمنا ذلك فيمكن أن يكون البخاري أيضا قائلا بوجوب التحميد، كما يوجبه الظاهرية. فإن قلت: روى عن الحميدي أنه قال بوجوبه؟ قلت: يحتمل أنه لم يكن اطلع على كون الإجماع فيه على عدم الوجوب، وعرفت أيضا أن قول صاحب (التلويح): وافتتاح الصلاة ليس في ظاهر الحديث ما يدل عليه ليس بشيء أيضا، لأنه نظر إلى الظاهر، ولو غاص فيما غصناه لم يقل بذلك. والكرماني أيضا تصرف وتكلف هنا، ثم توقف فاستشكل دلالته على الترجمة حيث قال: أولا: الحديث دل على الجزء الثاني من الترجمة، لأن لفظ: (إذا صلى قائما) يتناول لكون الافتتاح في حال القيام، فكأنه قال: إذا افتتح الإمام الصلاة قائما فافتتحوا أنتم أيضا قياما، إلا أن تكون: الواو، بمعنى: مع، والغرض بيان إيجاب