قوله: (يهادي) بفتح الدال أي: يمشي بين اثنين معتمدا عليهما. قوله: (وأبو بكر) الواو فيه للحال.
تابعه محاضر عن الأعمش أي: تابع عبد الله بن داود محاضر عن سليمان عن الأعمش، و: محاضر، بضم الميم وبالحاء وبعد الألف ضاد معجمة مكسورة وفي آخره راء: ابن المورع، بضم الميم وفتح الواو وكسر الراء: الهمداني الكوفي، مات سنة ست ومائتين.
68 ((باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم)) أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يقتدي بالإمام ويقتدي الناس بالمأموم الذي اقتدى بالإمام، والذي يظهر من هذه الترجمة أن البخاري يميل إلى مذهب الشعبي في ذلك، لأن الشعبي يرى أن الجماعة يتحملون عن بعضهم بعضا ما يتحمله الإمام، والدليل عليه أنه قال، فيمن أحرم قبل أن يرفع الصف الذي يليه رؤوسهم من الركعة: إنه أدركها، ولو كان الإمام رفع قبل ذلك، لأن بعضهم لبعض أئمة، فهذا يدل على أن كل واحد من الجماعة إمام للآخر، مع كونهم مأمومين، وأنه ليس المراد أنه يأتم بالإمام ويأتم الناس به في التبليغ فقط. فإن قلت: ظاهر حديث الباب السابق يدل على أن الناس كانوا مع أبي بكر في مقام التبليغ حيث قال فيه: (وأبو بكر يسمع الناس فيه). قلت: إسماع أبي بكر لهم التكبير جزء من أجزاء ما يأتمون به فيه، وليس فيه نفي لغيره، والدليل عليه ما رواه الإسماعيلي من طريق عبد الله بن داود عن الأعمش في حديث الباب السابق، وفيه: (والناس يأتمون بأبي بكر، وأبو بكر يسمعهم). ومما يؤكد أن ميل البخاري إلى مذهب الشعبي كونه صدر هذا الباب بالحديث المعلق، فإنه صريح في أن القوم يأتمون بالإمام في الصف الأول، ومن بعدهم يأتمون بهم، كما نذكره عن قريب.
ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم هذا التعليق أخرجه مسلم في (صحيحه) عن الدارمي: حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا بشر بن منصور عن الجريري عن أبي نضرة (عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا، فقال لهم: تقدموا فأئتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى)، وأخرجه أبو داود أيضا: حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن عبد الله الخزاعي، قالا: حدثنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري... الحديث، وأخرجه النسائي وابن ماجة أيضا.
قوله: (ائتموا بي) خطاب لأهل الصف الأول. قوله: (وليأتم بكم من بعدكم) معناه عند الجمهور: يستدلون بأفعالكم على أفعالي، لا أنهم يقتدون بهم، فإن الاقتداء لا يكون إلا لإمام واحد، ومذهب من يأخذ بظاهره وقد ذكرناه الآن.
وفيه: جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامه يراه متابعا للإمام.
قوله: (من)، بفتح الميم، في محل الرفع لأنه فاعل لقوله: (وليأتم)، قوله: (ولا يزال قوم يتأخرون) أي: عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله عن عظيم فضله أو رفع منزلته أو نحو ذلك. وقال الكرماني، ويذكر تعليق بلفظ التمريض، قال بعضهم: هذا عندي ليس بصواب لأنه لا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح للاحتجاج به عنده، بل قد يكون صالحا للاحتجاج به عنده وليس هو على شرط صحيحه الذي هو على شروط الصحة قلت: هذا الذي ذكره يخرم قاعدته، لأنه إذا لم يكن على شرطه كيف يحتج به؟ وإلا فلا فائدة لذلك الشرط، وأبو نضرة الذي روى الحديث المذكور عن أبي سعيد الخدري، ليس على شرطه، وإنما يصلح عنده للاستشهاد، ولهذا استشهد به عن جابر في كتاب الشروط على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأبو نضرة، بالنون المفتوحة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء: واسمه المنذر بن مالك العوفي البصري وأبو الأشهب في مسند أبي داود واسمه: جعفر بن حبان العطاردي السعدي البصري الأعمى، وثقه يحيى وأبو زرعة وأبو حاتم، مات سنة ست وثلاثين ومائة، روى له الجماعة.