ثم إعلم أن قوله: (قال يحيى وحدثني...) إلى آخره، صورته صورة التعليق، وليس بتعليق كما زعمه بعضهم، بل هو داخل في إسناد إسحاق، ولهذا قال الشيخ الحافظ قطب الدين في (شرحه): أن يحيى رواه بالإسنادين، والبخاري أحال الإسناد الأول بقوله: نحوه، على الذي قبله، والذي قبله ليس بتمام، وقد ذكرنا تمامه فيما مضى. قوله: (ولما قال) أي: المؤذن لما قال الحيعلة يعني: حي على الصلاة، قال: أي معاوية، الحوقلة وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنما لم يذكر حكم حي على الفلاح اكتفاء بذكر إحدى الحيعلتين عن الأخرى لظهوره. قوله: (لا حول ولا قوة إلا بالله) يجوز فيه خمسة أوجه. الأول: فتحهما بلا تنوين. والثاني: فتح الأول ونصب الثاني منونا. الثالث: رفعهما منونين. والرابع: فتح الأول ورفع الثاني منونا. والخامس: عكسه. والحول: الحركة أي: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى، قاله ثعلب وغيره. وقال بعضهم: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير، إلا بالله. وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته. وحكي هذا عن ابن مسعود، وحكى الجوهري لغة غريبة ضعيفة أنه يقال: لا حيل ولا قوة إلا بالله، بالياء، قال: والحيل والحول بمعنى. قلت: لا ينسب إليه الضعف في ذلك، وقد ذكر في (الجامع) و (المنتهى) و (الموعب) و (المخصص) و (المحكم): الحول والحيل والحول والحيلة والحويل والمحالة والاحتيال والتحول والتحيل، كل ذلك: جودة النظر والقدر على التصرف، فلا ينفرد إذا بهذه اللفظة. وقال الأزهري: يقال في التعبير عن قولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله: الحوقلة، وقال الجوهري: الحوقلة، فعلى الأول وهو المشهور الحاء والواو من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله. وعلى الثاني: الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة، ومثلها: الحيعلة والبسملة والحمدلة والهيللة والسبحلة، في حي على الصلاة وحي على الفلاح، وبسم الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، وسبحان الله. وقال المطرزي: في (كتاب اليواقيت) وفي غيره: إن الأفعال التي اخذت من أسمائها سبعة وهي: بسمل الرجل، إذا قال: بسم الله، وسبحل، إذا قال: سبحان الله، وحوقل، إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحيعل، إذا قال: حي على الفلاح. ويجيء على القياس: حيصل، إذا قال: حي على الصلاة، ولم يذكر: وحمدل، إذا قال: الحمد لله. و: هيلل، إذا قال: لا أله إلا الله، و: جعفل، إذا قال: جعلت فداءك. زاد الثعالبي: الطيقلة، إذا قال: أطال الله بقاءك، و: الدمعزة، إذا قال: أدام الله عزك. وقال عياض: قوله: الحيصلة على قياس الحيعلة غير صحيح، بل الحيعلة تطلق على حي على الصلاة وحي على الفلاح، كلها حيعلة، ولو كان على قياسه في الحيصلة لكان الذي يقال في: حي على الفلاح، الحيفلة بالفاء، وهذا لم يقل، وإنما الحيعلة من قولهم: حي على كذا، فكيف وهو باب مسموع لا يقاس عليه؟ وانظر قوله: جعفل، في: جعلت فداك، لو كان على قياس الحيعلة لقال جعلف، إذ اللام مقدمة على الفاء، كذلك: والطيقلة، تكون اللام على القياس قبل القاف، والله تعالى أعلم.
((باب الدعاء عند النداء)) أي: هذا باب في بيان الدعاء عند تمام النداء، وهو الأذان. وقال بعضهم: إنما لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث. قلت: ليس في لفظ الحديث هذه اللفظة، وفي لفظ الحديث أيضا مقدر، وإلا يلزم أن يدعو وهو يسمع، وحالة السماع وقت الإجابة، والدعاء بعد تمام السماع.
614 حدثنا علي بن عياش قال حدثنا شعيب ابن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة. (الحديث 614 طرفه في: 4719).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله: وهم أربعة: الأول: علي بن عياش، بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف شين معجمة: الألهاني، بفتح الهمز وسكون اللام وبالنون بعد الألف: الحمصي، مات سنة تسع عشرة ومائتين، وهو من كبار شيوخ البخاري. الثاني: شعيب بن أبي حمزة، بالحاء المهملة والزاي: الحمصي، وقد تقدم.