سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة.
فمن أسباب المنع: أن يكون في الخلاء، أو جماع أهله أو نحوها. ومنها: أن يكون في صلاة، فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم يوافقه في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثله، فلو فعله في الصلاة هل يكره؟ فيه قولان للشافعي، ففي أظهرهما يكره، لكن لا تبطل صلاته، فلو قال: حي على الصلاة، والصلاة خير من النوم، بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه، لأنه كلام آدمي، ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح ونحوهما قطع ما هو فيه وأتى بمتابعة المؤذن، ويتابعه في الإقامة كالأذان إلا أنه يقول في لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها، وإذا ثوب المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم، قال سامعه: صدقت وبررت. انتهى.
وقال أصحابنا: يجب على السامع أن يقول مثل ما قال المؤذن، إلا قوله: حي على الصلاة، فإنه يقول مكان قوله: حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان قوله: حي على الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لأن إعادة ذلك تشبه المحاكاة والاستهزاء، وكذا إذا قال المؤذن: الصلاة خير من النوم، ولا يقول السامع مثله، ولكن يقول: صدقت وبررت، وينبغي أن لا يتكلم السامع في خلال الأذان والإقامة، ولا يقرأ القران، ولا يسلم ولا يرد السلام، ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة، ولو كان في قراءة القرآن يقطع ويسمع الأذان ويجيب، وفي (فوائد) الرستغفني: لو سمع وهو في المسجد يمضي في قراءته، وإن كان في بيته فكذلك، إن لم يكن أذان مسجده، وعن الحلواني: لو أجاب اللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مجيبا. ولو كان في المسجد ولم يجب لا يكون اثما، ولا تجب الإجابة على من لا تجب عليه الصلاة، ولأجيب أيضا وهو في الصلاة سواء كانت فرضا أو نفلا. وقال عياض: اختلف أصحابنا: هل يحكى المصلي لفظ المؤذن في حالة الفريضة أو النافلة أم لا يحكيه فيهما، أم يحكي في النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال. انتهى. ثم اختلف أصحابنا: هل يقول عند سماع كل مؤذن أم الأول فقط؟ وسئل ظهير الدين عن هذه المسألة فقال: يجب عليه إجابة مؤذن مسجده بالفعل. فإن قلت: روى مسلم من حديث أنس، رضي الله تعالى عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع الأذان أمسك وإلا أغار. قال: فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرجت من النار، فنظروا فإذا هو راعي معزى). وأخرجه الطحاوي من حديث عبد الله قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسمع مناديا وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت من النار، فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية أدركته الصلاة فأذن لها). قال الطحاوي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع المنادي ينادي وقال غير ما قال، فدل ذلك على أن قوله: (إذا سمعتم المنادي فقولوا مثل الذي يقول)، إن ذلك ليس على الإيجاب، وأنه على الاستحباب والندبة إلى الخير وإصابة الفضل، كما قد علم الناس من الدعاء الذي أمرهم أن يقولوا في دبر الصلوات وما أشبه ذلك. قلت: الأمر المطلق المجرد عن القرائن يدل على الوجوب، ولا سيما قد تأيد ذلك بما روي من الأخبار والآثار في الحث على الإجابة، وقد روى ابن أبي شيبة في (مصنفه): عن وكيع عن سفيان عن عاصم عن المسيب بن رافع عن عبد الله قال: من الجفاء أن تسمع المؤذن ثم لا تقول مثل ما يقول. انتهى. ولا يكون من الجفاء إلا ترك الواجب، وترك المستحب ليس من الجفاء، ولا تاركه جاف، والجواب عن الحديثين: أنهما لا ينافي إجابة الرسول لذلك المنادي بمثل ما قال، ويكون الراوي ترك ذكره أو يكون الأمر بالإجابة بعد هذه القضية. قوله: على الفطرة، أي: على الإسلام، إذا كان الأذان شعارهم، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أغار، لأنه كان فرق ما بين بلد الكفر وبلد الإسلام. فإن قلت: كيف يكون مجرد القبول بلا إله إلا الله إيمانا؟ قلت: هو إيمان بالله في حق المشرك، وحق من لم يكن بين المسلمين. أما الكتابي والذي يخالط المسلمين لا يصير مؤمنا إلا بالتلفظ بكلمتي الشهادة، بل شرط بعضهم التبري مما كان عليه من الدين الذي يعتقده. وأما الدليل على ما ذهب إليه أصحابنا في الحيعلتين والصلاة خير من النوم، فسنذكره في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى.
612 حدثنا معاذ بن فضالة قال حدثنا هشام عن يحيى عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال حدثني عيسى بن طلحة أنه سمع معاوية يوما فقال مثله إلى قوله وأشهد أن محمدا رسول الله.