قد ذكرنا أن البخاري أخرج هذا الحديث في هذا الباب عن ستة من المشايخ. الأول: موقوف يرويه عن حجاج بن منهال إلى آخره، وأخرجه الطحاوي: حدثنا محمد بن خزيمة قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني الحكم عن ذر عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار رضي ا تعالى عنه: (أن رسول الله قال له: إنما كان يكفيك هكذا وضرب شعبة بكفيه إلى الأرض وأدناهما من فيه، فنفخ فيهما، ثم مسح وجهه وكفيه). ثم قال الطحاوي: هكذا قال محمد بن خزيمة في إسناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، وإنما هو عن ذر عن ابن عبد الرحمن عن أبيه. قال بعضهم: أشار الطحاوي إلى أنه وهم فيه، لأنه أسقط لفظة (ابن)، ولا بد منها لأن: أبزى، والد عبد الرحمن لا رواية له في هذا الحديث. قلت: رواية محمد بن خزيمة المذكورة تبتنى على صحة قول من يقول: إن أبزى والد عبد الرحمن صحابي، وهو قول ابن منده، فإنه جعله من الصحابة، وروى بإسناده عن هشام عن عبيد ا الرازي عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حبان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، (عن رسول الله أنه: خطب للناس قائما، ثم قال: ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم ولا يفقهونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم)؟. الحديث، ورواه إسحاق بن راهويه في (المسند) عن محمد بن أبي سهل عن بكير بن معروف عن مقاتل عن علقمة بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن جده عن النبي بهذا، وقد رده أبو نعيم عليه، وقال: ذكر ابن منده أن البخاري ذكره في كتاب الوجدان، وأخرج له حديث أبي سلمة عن ابن أبزى عن النبي، ولم يقل فيه: عن أبيه، وقال ابن الأثير: أبزى، والد عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، ذكره البخاري في الوجدان، ولا يصح له صحبة ولا رواية، ولابنه عبد الرحمن صحبة ورواية. قلت: وكذلك لم يذكر أبو عمر: أبزى في الصحابة، وإنما ذكر عبد الرحمن لأنه لم يصح عنده صحبة أبزى، ومع هذا وقع الاختلاف في صحبة عبد الرحمن أيضا، فإن ابن حبان ذكره في التابعين، وقال: أبو بكر بن أبي داود: لم يحدث ابن أبي ليلى من التابعين إلا عن ابن أبزى، وقال البخاري: له صحبة، وذكره غير واحد في الصحابة، وقال أبو حاتم: أدرك النبي وصلى خلفه، روى عنه ابناه عبد ا وسعيد.
ذكر رجاله: وهم سبعة. الأول: حجاج بن منهال. الثاني: شعبة بن الحجاج. الثالث: الحكم بن عتيبة. الرابع: ذر بن عبد ا الهمداني. الخامس: سعيد بن عبد الرحمن. السادس: أبوه عبد الرحمن بن أبزى. السابع: عمار بن ياسر رضي ا تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: الإخبار بصيغة الإفراد، وهو قوله: (أخبرني الحكم) وهو رواية كريمة، والأصيلي وابن المنذر، وفي راية غيرهم عن الحكم. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: عن سعيد بن عبد الرحمن وهو رواية أبي ذر وأبي الوقت، وفي رواية غيرهما: عن ابن عبد الرحمن.
ذكر معناه: قوله: (قال عمار بهذا)، أشار به إلى سياق المتن الذي قبله، من رواية آدم عن شعبة: وهو كذلك، إلا أنه ليس في رواية حجاج هذه قصة عمر رضي ا تعالى عنه. قوله: (وضرب شعبة) مقول الحجاج. قوله: (ثم أدناهما) أي: قربهما من فيه، وهي كناية عن النفخ، وفيه إشارة إلى أنه كان خفيفا، وفي رواية سليمان بن حرب: نقل فيهما، قال أهل اللغة: التفل دون البزق، والنفث دونه، وبقية الكلام قد مرت مستوفاة.
وقال النضر أخبرنا شعبة عن الحكم قال سمعت ذرا يقول عن ابن عبد الرحمن ابن أبزى ا قال الحكم وقد سمعته من ابن عبد الرحمن عن أبيه قال قال عمار الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء.
الكلام فيه على أنواع.
الأول: أنه تعليق، وقد وصله مسلم عن إسحاق بن منصور عن النضر. وأخرجه أبو نعيم في (مستخرجه) من طريق إسحاق بن راهويه عنه، وقال الكرماني: قال النضر من كلام البخاري: والظاهر أنه علق عن النضر لأنه مات سنة ثلاث ومائتين بالعراق، وكان البخاري حينئذ ابن سبع سنين ببخاري.
النوع الثاني في رجاله: وهم تسعة. الأول: النضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: ابن شميل، والبقية ذكروا غير مرة. وفيه: القول أولا والإخبار بصيغة الجمع ثانيا، والعنعنة ثالثا، والقول رابعا وخامسا بينهما السماع، والعنعنة سادسا، والقول سابعا، والسماع ثامنا، والعنعنة تاسعا، والقول عاشرا. قوله: (قال الحكم): الخ إشارة إلى أن الحكم كما سمع هذا الخبر من ذر، سمعه أيضا من شيخ ذر وهو سعيد بن عبد الرحمن، فكأنه