ذكر استنباط الأحكام منه: منها: ما قال ابن التين، قال بعضهم: يستنبط منه جواز التيمم في الحضر، وعليه بوب البخاري، وقال بعضهم: فيه التيمم للحضر إلا أنه لا دليل فيه أنه رفع بذلك التيمم الحدث رفعا استباح به الصلاة، لأنه إنما فعله كراهة أن يذكر ا على غير طهارة، كذا رواه حماد في (مصنفه) وقال ابن الجوزي: كره أن يرد عليه السلام، لأنه اسم من أسماء ا تعالى، أو يكون هذا في أول الأمر ثم استقر الأمر على غير ذلك. وفي (شرح الطحاوي) حديث المنع من رد السلام منسوخ بآية الوضوء؛ وقيل: بحديث عائشة رضي ا تعالى عنها: كان يذكر ا على كل أحيانه، وقد جاء ذلك مصرحا به في حديث رواه جابر الجعفي عن عبد ا بن محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد ا بن علقمة بن الغفراء عن أبيه قال: (كان النبي إذا أراد الماء نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يسلم علينا حتى نزلت آية الرخصة * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * (النساء: 34، والمائدة: 6) وقال ابن دقيق العيد: هذا الحديث يعني حديث المهاجر بن قنفذ معلول ومعارض، أما كونه معلولا فلأن سعيد بن أبي عروبة كان قد اختلط في آخر عمره، فيراعى فيه سماع من سمع منه قبل الاختلاط، وقد رواه النسائي من حديث شعبة عن قتادة به وليس فيه أنه لم يمنعني إلى آخره، ورواه حماد بن سلمة عن حميد وغيره عن الحسن عن مهاجر منقطعا، فصار فيه ثلاث علل.
ب 05 2 وأما كونه معارضا، فما رواه البخاري ومسلم من حديث كريب عن ابن عباس. قال: (بت عند خالتي ميمونة). الحديث، ففي هذا ما يدل على جواز ذكر اسم ا وقراءة القرآن مع الحدث، وزعم الحسن أن حديث مهاجر غير منسوخ، وتمسك بمقتضاه، فأوجب الطهارة للذكر، وقيل: يتأول الخبر على الاستحباب، لأن ابن عمر: ممن روى في هذا الباب، كما ذكرناه عن قريب روى ذلك، والصحابي الراوي أعلم بالمقصود. ومنها: أنه استدل به بعض أصحابنا على جواز التيمم على الحجر، قال: وذلك لأن حيطان المدينة مبنية بحجارة سود. وقال ابن بطال، في تيمم النبي بالجدار رد على الشافعي في اشتراط التراب، لأنه معلوم أنه لم يعلق به تراب، إذ لا تراب على الجدار.
وقال الكرماني: أقول ليس فيه رد على الشافعي إذ ليس معلوما أنه لم يعلق به تراب، وما ذاك إلا تحكم بارد إذ الجدار قد يكون عليه التراب وقد لا يكون، بل الغالب وجود الغبار على الجدار، مع أنه قد ثبت أنه حت الجدار بالعصا ثم تيمم، فيجب حمل المطلق على المقيد. انتهى. قلت: الجدار إذا كان من حجر لا يحتمل التراب لأنه لا يثبت عليه، خصوصا جدران المدينة، لأنها من صخرة سوداء. وقوله؛ مع أنه ثبت... الخ، ممنوع لأن حت الجدار بالعصا رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد كما ذكرناه عن قريب، وهو حديث ضعيف. فإن قلت: حسنه البغوي كما ذكرنا. قلت: كيف حسنه وشيخ الشافعي وشيخ شيخه ضعيفان لا يحتج بهما؟ قاله مالك وغيره، وأيضا فهو منقطع، لأن ما بين الأعرج وأبي جهيم عمير كما سبق من عند البخاري وغيره، ونص عليه أيضا البيهقي وغيره، وفيه علة أخرى وهي زيادة حك الجدار لم يأت بها أحد غير إبراهيم، والحديث رواه جماعة كما ذكرناه وليس في حديث أحدهم هذه الزيادة، والزيادة إنما تقبل من ثقة، ولو وقف الكرماني على ما ذكرنا لما قال: مع أنه قد ثبت أنه، حت الجدار بالعصا. ومنها: أنه استدل به الطحاوي على جواز التيمم للجنازة عند خوف فواتها، وهو قول الكوفيين والليث والأوزاعي، لأنه، تيمم لرد السلام في الحضر لأجل فوت الرد، وإن كان ليس شرطا، ومنع مالك والشافعي وأحمد ذلك وهو حجة عليهم. ومنها: أن فيه دلالة على جواز التيمم للنوافل كالفرائض؛ وقال صاحب (التوضيح): وأبعد من خصه من أصحابنا بالفرائض. ومنها: أن التيمم مسح الوجه واليدين، لقوله: فمسح بوجهه ويديه. فإن قلت: أطلق يديه فيتناول إلى الكفين وإلى المرفقين وإلى ما وراء ذلك. قلت: المراد منه ذراعيه، ويفسره رواية الدارقطني وغيره في هذا الحديث: فمسح بوجهه وذراعيه، وفيه خلاف بين العلماء، وسيأتي بيانه إن شاء ا تعالى عن قريب.
4 ((باب المتيمم هل ينفخ فيهما)) أي: هذا باب يذكر فيه المتيمم: هل ينفخ فيهما؟ أي: في اليدين. وقال الكرماني: وفي بعض النسخ: هل ينفح في يديه بعدما يضرب بهما الصعيد للتيمم؟ وإنما أورده بلفظ الاستفهام على سبيل الاستفسار، لأن نفخه، في يديه في التيمم على ما يأتي في حديث الباب يحتمل وجوها ثلاثة: الأول: أن يكون لشيء علق بيديه فخشي عليه السلام، أن يصيب