عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ١٤٠
فقال: آه، أو يسعل فينطق في السعلة بحرفين وما أشبه هذا، أو يغلط في القراءة فيعدل إلى كلمة من غير القرآن، أو يجيئه بكاء فيبكي ولا يقدر على رده، فهذا لا تفسد صلاته، نص عليه أحمد. وقال القاضي: فيمن تثاوب فقال: آه، آه، فسدت صلاته: النوع الثاني: أن ينام فيتكلم، فقد توقف أحمد عن الجواب فيه، وينبغي أن لا تبطل. النوع الثالث: أن يكره على الكلام، فيحتمل أن يخرج على كلام الناسي، والصحيح إن شاء ا أن هذا تفسد صلاته.
القسم الرابع: أن يتكلم بكلام واجب، مثل أن يخشى على صبي أو ضرير الوقوع في هلكة، أو يرى حية ونحوها تقصد غافلا أو نائما، أو يرى نارا يخاف أن تشتعل في شيء ونحو هذا، فلا يمكنه التنبيه بالتسبيح، فقال أصحابنا: تبطل الصلاة بهذا، وهو قول بعض أصحاب الشافعي، ويحتمل أن لا تبطل، وهو ظاهر قول أحمد، وهذا ظاهر مذهب الشافعي.
القسم الخامس: أن يتكلم لإصلاح الصلاة، وجملته أن من سلم من نقص في صلاته يظن نها قد تمت، ثم تكلم ففيه ثلاث روايات: إحداها: لا تفسد إذا كان لشأن الصلاة. والثانية: تفسد، وهو قول الخلال وأصحاب الرأي. والثالثة: صلاة الإمام لا تفسد، وصلاة المأموم الذي تكلم تفسد انتهى.
ومذهب أصحابنا أنه: لا يجوز الكلام في الصلاة إلا بالتكبير والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن، ولا يجوز أن يتكلم فيها لأجل شيء حدث من الإمام في الصلاة، والكلام يبطل الصلاة سواء كان عامدا أو ناسيا أو جاهلا، وسواء كان إماما أو منفردا، وهو مذهب إبراهيم النخعي وقتادة، وحماد بن أبي سليمان وعبد ا بن وهب وابن نافع من أصحاب مالك، واحتجوا في ذلك بحديث معاوية بن الحكم السلمي أخرجه مسلم مطولا، وفيه: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)، وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا، وهذا نص صريح على تحريم الكلام في الصلاة سواء كان عامدا أو ناسيا، لحاجة أو غيرها، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها. فإن احتاج إلى تنبيه إمام ونحوه سبح إن كان رجلا، وصفقت إن كانت امرأة، وذلك لقوله: (من نابه شيء في الصلاة فليقل: سبحان ا، وإنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال)، رواه سهل بن سعد، أخرجه الطحاوي عنه، وأخرجه البخاري مطولا، ولفظه: (أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟ وإنما التصفيق للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان ا، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول: سبحان ا، إلا التفت). وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
قوله: (من نابه) أي من نزل به شيء من الأمور المهمة، والمراد من التصفيق ضرب ظاهر إحدى يديه على باطن الأخرى، وقيل: بإصبعين من أحدهما على صفحة الأخرى للإنذار والتنبيه. وقال الطحاوي: إن هذا الحديث دل على أن كلام ذي اليدين لرسول الله بما كلمه به في حديث عمران وابن عمر وأبي هريرة، رضي ا تعالى عنهم، كان قبل تحريم الكلام في الصلاة.
ومنها: أن فيه دليلا على أن سجود السهو سجدتان، وهو قول عامة الفقهاء، وحكي عن الأوزاعي أنه يلزمه لكل سهو سجدتان، وكذا حكي عن ابن أبي ليلى. وقال النووي: وفيه حديث ضعيف.
ومنها: أن فيه دليلا عل أن سجدتي السهو بعد السلام، وهو حجة على الشافعي ومن تبعه في أنهما قبل السلام، وفي (المغني): السجود كله عند أحمد قبل السلام إلا في الموضعين اللذين ورد النص بسجودهما بعد السلام، وهما: إذا سلم من نقص في صلاته، أو تحرى الإمام فبنى على غالب ظنه، وما عداهما يسجد له قبل السلام، نص على هذا في رواية الأثرم، وبه قال سليمان بن داود وأبو خيثمة وابن المنذر. وحكى أبو الخطاب عن أحمد روايتين أخريين: إحداهما: إن السجود كله قبل السلام، والثانية: أنها قبل السلام إن كانت لنقص، وبعد السلام إن كانت لزيادة، وهذا مذهب مالك وأبي ثور، وبما قال أصحابنا الحنفية قال إبراهيم النخعي وابن أبي ليلى والحسن البصري وسفيان الثوري، وهو مروي عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد ا بن مسعود وعبد ا بن عباس وعمار بن ياسر وعبد ا بن الزبير وأنس بن مالك، رضي ا عنهم: فإن قلت: لو سجد للسهو قبل السلام كيف يكون حكمه عن الحنفية. قلت: قال القدوري: لو سجد للسهو قبل السلام جاز عندنا، هذا في رواية الأصول، وروي عنهم أنه: لا يجوز، لأنه أداه قبل وقته. وفي (الهداية): وهذا الخلاف في الأولوية، وكذا قاله الماوردي في (الحاوي) وابن عبد البر وغيرهم.
ومنها: أن فيه الرجوع إلى المأمومين، وفيه إشكال على مذهب الشافعي لأن عندهم أنه لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره إماما كان أو مأموما، ولا يعمل إلا على يقين نفسه، واعتذر النووي عن هذا بأنه سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر، فعلم السهو فبنى عليه لا أنه رجع إلى مجرد قولهم، ولو
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»