أقول: ليس ذلك حجة كافية، لأن قلب رسول الله، عليه الصلاة والسلام، لا ينام ولا ينتقض وضوؤه به، وكذا رد عليه ابن المنير، ثم قال: وأما كونه توضأ عقيب ذلك فلعله جدد الوضوء أو أحدث بعد ذلك فتوضأ. واستحسن بعضهم كلامه بالنسبة إلى كلام ابن بطال حيث قال: بعد قيامه من النوم، ثم قال: لأنه لم يتعين كونه أحدث في النوم، لكن لما عقب ذلك بالوضوء كان ظاهرا في كونه أحدث، ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه أن لا يقع منه حدث وهو نائم، نعم، إن وقع شعر به بخلاف غيره، وما أدعوه من التجديد وغيره الأصل عدمه. قلت: قوله: ولا يلزم من كون نومه... إلى آخره غير مسلم، وكيف يمنع عدم الملازمة، بل يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه أن لا يقع منه حدث في حالة النوم، لان هذا من خصائصه، فيلزم من قول هذا القائل أن لا يفرق بين نوم النبي صلى الله عليه وسلم ونوم غيره، وقوله: وما أدعوه من التجديد وغيره الأصل عدمه. قلت: هذا عند عدم قيام الدليل على ذلك، وههنا قام الدليل بأن وضوءه لم يكن لأجل الحدث، وهو قوله، عليه الصلاة والسلام: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وحينئذ يكون تجديد وضوئه لأجل طلب زيادة النور، حيث قال: الوضوء نور على نور. الثاني: فيه جواز الاضطجاع عند المحرم، وإن كان زوجها عندها. الثالث: فيه استحباب صلاة الليل وقراءة الآيات المذكورة بعد الانتباه من النوم. الرابع: فيه جواز عرك أذن الصغير لأجل التأديب، أو لأجل المحبة. الخامس: فيه استحباب مجيء المؤذن إلى الإمام وإعلامه بإقامة الصلاة. السادس فيه تخفيف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح مع مراعاة أدائها. وغير ذلك من الأحكام التي مضى ذكر بعضها، وسيأتي بعضها أيضا في كتاب الوتر. إن شاء الله تعالى.
37 ((باب من لم ير الوضوء إلا من الغشي المثقل)) أي: هذا باب في بيان من لم ير الوضوء إلا من الغشي، بفتح الغين المعجمة وسكون الشين المعجمة وفي آخره ياء آخر الحروف. يقال: غشى عليه غشية وغشيانا فهو مغشي عليه، والغشى: مرض يعرض من طول التعب والوقوف، وهو ضرب من الإغماء، إلا أنه أخف منه. وقال صاحب (العين): غشي عليه: ذهب عقله، وفي القرآن: * (كالذي يغشى عليه من الموت) * (الأحزاب: 19) وقال الله تعالى * (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) * (ي 1764; س: 9). قوله: (المثقل)، بضم الميم: من أثقل يثقل إثقالا فهو مثقل بكسر القاف للفاعل، وبفتحها للمفعول، وهو ضد الخفيف. فان قلت: كيف يجوز هذا الحصر وللوضوء أسباب أخر غير الغشي؟ قلت: أينما يقع مثل هذا الحصر فالمراد أنه رد لاعتقاد السامع حقيقة أو ادعاء، فكأن ههنا من يعتقد وجوب الوضوء من الغشي مطلقا، سواء كان مثقلا أو غير مثقل، وأشركهما في الحكم، فالمتكلم حصر على أحد النوعين من الغشي فأفرده بالحكم مزيلا للشركة، ومثله يسمى قصر الإفراد، ومعناه أنه لا يتوضأ إلا من الغشي المثقل، لا من الغشي الغير المثقل، وليس المعنى أنه يتوضأ توضأ من الغشي المثقل لا من سبب من أسباب الحدث، وجواب آخر: أنه استثناء مفرغ، فلا بد من تقدير المستثنى منه مناسبا له، فتقديره من لم ير الوضوء من الغشي. إلا من الغشي المثقل.
والمناسبة بين البابين من حيث إن في الباب السابق عدم لزوم الوضوء عن القراءة، وههنا عدم لزومه عند الغشي الغير المثقل.
184 حدثنا إسماعيل قال حدثنى مالك عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة عن جدتها أسماء بنت أبي بكر أنها قالت أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس فاذا الناس قيام يصلون وإذا هي قائمة تصلي فقلت ما لناس فأشارت بيدها نحو السماء وقالت سبحان الله فقلت آية فأشارت أي نعم فقمت حتى تجلاني الغشي وجعلت أصب فوق رأسي ماء فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه ثم قال ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور