عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٤٤
أبو إسحاق من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه، وذلك أن بهزا حدثنا قال: أخبرنا أبو غسان، قال أخبرنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق قال: أتيت الأسود بن يزيد، وكان لي أخا وصديقا فقلت له: يا أبا عمر حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول وثب، وما قالت: قام، فأفاض عليه الماء، وما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد، وإن نام جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة) فهذا الأسود بن زيد قد بان في حديثه لما ذكر بطوله أنه كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وأما قولها: فإن كانت له حاجة قضاها ثم نام قبل أن يمس ماء، فيحتمل أن يكون ذلك محمولا على الماء الذي يغتسل به، لا على الوضوء، وقال أبو داود: حدثنا الحسين الواسطي، سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني حديث أبي إسحاق. وفي رواية عنه: ليس بصحيح، وقال المهني: سألت أبا عبد الله عنه فقال: ليس بصحيح قلت: لم قال: لأن شعبة روى عن الحاكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: [حم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة) [/ حم قلت: من قبل من جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي إسحاق، قال: وسألت أحمد بن صالح عن هذا الحديث، فقال: لا يحل أن يروى. وقال الترمذي وأبو علي الطوسي، روى غير واحد عن الأسود عن عائشة: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل أن ينام وهو جنب، يتوضأ وضوءه للصلاة) وهذا أصح من حديث أبي إسحاق قال: وكانوا يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق، وقال ابن ماجة، عقيب روايته هذا الحديث قال سفيان: ذكرت الحديث يعني هذا، يوما، فقال لي إسماعيل: شد هذا الحديث ياقتي بشيء.
وتصدى جماعة لتصحيح هذا الحديث.
منهم الدارقطني: فإنه قال: يشبه أن يكون الخبران صحيحين، لأن عائشة قالت: ربما قدم الغسل، وربما أخره، وكما حكى ذلك غضيف وعبد الله بن أبي قيس وغيرهما عن عائشة، وأن الأسود حفظ ذلك عنها. فحفظ أبو إسحاق عنه تأخير الوضوء والغسل، وحفظ إبراهيم وعبد الرحمن تقديم الوضوء على الغسل.
ومنهم البيهقي: وملخص كلامه أن حديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية، وذلك أنه بين فيه سماعه من الأسود في رواية زهير عنه، والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه، وكان ثقة، فلا وجه لرده، ووجه الجمع بين الروايتين على وجه يحتمل، وقدجمع بينهما أبو العباس ابن شريح فأحسن الجمع، وسئل عنه وعن حديث عمر: [حم (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ) [/ حم وقال الحكم لهما جميعا أما حديث عائشة فإنما أرادت أنه كان لا يمس ماء للغسل. وأما حديث عمر: (أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد). فمفسره ذكر فيه الوضوء وبه، نأخذ.
ومنهم ابن قتيبة. فإنه قال: يمكن أن يكون الأمران جميعا وقعاد فالفعل لبيان الاستحباب، والترك لبيان الجواز، ومع هذا قالوا: إنا وجدنا لحديث أبي إسحاق شواهد ومتابعين، فممن تابعه عطاء والقاسم وكريب والسوائي فيما ذكره أبو إسحاق الجرمي في كتاب (العلل) قال: وأحسن الوجوه في ذلك أن صح حديث أبي إسحاق فينا رواه ووافقه هؤلاء أن تكون عائشة أخبرت الأسود أنه كان ربما توضأ، وربما أخر الوضوء والغسل حتى يصبح، فأخبر الأسود إبراهيم أنه كان يتوضأ وأخبر أبا إسحاق أنه كان يؤخر الغسل، وهذا أحسن وأوجه. فإن قلت: قد روي عن عائشة ما يضاد ما روي عنها أولا، وهو أن الطحاوي روى من حديث الزهري عن عروة عن عائشة. قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل كفيه) وروي عنها: (أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة). قلت: أجاب الطحاوي عن هذا بأنها لما أخبرت بغسل الكفين، بعد أن كانت علمت بأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء التام، دل ذلك على ثبوت النسخ عندها، وقال بعضهم: جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة. كان يتوضأ وهو جنب لا يغسل رجليه، كما رواه مالك في (الموطأ) عن نافع وأجيب بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة في رواية عائشة فيعتمد عليها ويحمل ترك ابن عمر غسل رجليه، على أن ذلك كان لعذر. قلت: هذا القائل ما أدرك كلام الطحاوي ولا ذاق معناه، فإنه قائل بورود هذه الرواية عن عائشة، ولكنه حمله على النسخ كما ذكرناه، وكذلك ما روي عن ابن عمر حمله على النسخ لأن فعله هذا بعد علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء التام للجنب يدل على
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»