بصب الماء عليها فكانت مظنة لإسراف الماء المنهي عنه لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها فجيء بالغاية ليعلم أن حكمها مخالف لحكم المعطوف عليه لأنه لا غاية في الممسوح قاله صاحب الكشاف. الجواب الثالث هو محمول على حالة اللبس للخف والنصب على الغسل عند عدمه وروى همام بن الحارث أن جرير بن عبد الله رضي الله عنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتفعل هذا قال وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وكان يعجبهم حديث جرير لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال ابن العربي اتفق الناس على صحة حديث جرير وهذا نص يرد ما ذكروه فإن قلت روى محمد بن عمر الواقدي أن جريرا أسلم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في ذي الحجة يوم عرفة قلت هذا لا يثبت لأن الواقدي فيه كلام وإنما نزل يوم عرفة * (اليوم أكملت لكم دينكم) * الجواب الرابع أن المسح يستعمل بمعنى الغسل الخفيف يقال مسح على أطرافه إذا توضأ قاله أبو زيد وابن قتيبة وأبو علي الفارسي وفيه نظر وما ذكر عن ابن عباس قال محمد بن جرير إسناده صحيح والضعيف الثابت عنه أنه كان يقرؤ وأرجلكم بالنصب فيقول عطف على المغسول هكذا رواه الحفاظ عنه منهم القاسم بن سلام والبيهقي وغيرهما وثبت في صحيح البخاري عنه أنه توضأ وغسل رجليه وقال هكذا رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام وأما قوله * (يا جبال أوبي معه والطير) * بالنصب على المحل فممنوع لأنه مفعول معه ولو سلم العطف على المحل فإنما يجوز مثل ذلك عند عدم اللبس نقل ذلك عن سيبويه وههنا لبس فلا يجوز وأما البيت فغير مسلم فإنه ذكر في العقد أن سيبويه غلط فيه وإنما قال الشاعر بالخفض والقصيدة كلها مجرورة فما كان مضطرا إلى أن ينصب هذا البيت ويحتال بحيلة ضعيفة قال * معاوي أننا بشر فاسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديد * * أكلتم أرضنا وجزرتموها * فهل من قائم أو من حصيد * * أتطمع في الخلود إذا هلكنا * وليس لنا ولا لك من خلود * وقيل هما قصيدتان مجرورة. ومنصوبة وفيه بعد قلت ملخص الكلام ههنا أنه ثبت الأوجه الثلاثة في قوله * (وأرجلكم) * الرفع قرأ به نافع رواه عنه الوليد بن مسلم وهو قراءة الأعمش والنصب قرأ به علي وابن مسعود وابن عباس في رواية وإبراهيم والضحاك وابن عامر والكسائي وحفص وعاصم وعلي بن حمزة وقال الأزهري وهي قراءة ابن عباس والأعمش وحفص عن أبي بكر ومحمد بن إدريس الشافعي والجر قرأ به ابن عباس في رواية والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير وقال الحافظ أبو بكر بن العربي وقرأ أنس وعلقمة وأبو جعفر بالخفض والمشهور هو قراءة النصب والجر وبينهما تعارض والحكم في تعارض الروايتين كالحكم في تعارض الآيتين وهو أنه إن أمكن العمل بهما مطلقا يعمل وإن لم يمكن يعمل بهما بالقدر الممكن وههنا لا يمكن الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة لأنه لم يقل به أحد من السلف ولأنه يؤدي إلى تكرار المسح لأن الغسل يتضمن المسح والأمر المطلق لا يقتضي التكرار فيعمل في حالتين فيحمل في قراءة النصب على ما إذا كانت الرجلان باديتين وتحمل قراءة الخفض على ما إذا كانتا مستورتين بالخفين توفيقا بين القراءتين وعملا بهما بالقدر الممكن وقد يقال أن قراءة من قرأ وأرجلكم بالجر معارضة لمن نصبها فلا حجة إذا لوجود المعارضة فإن قلت نحن نحمل قراءة النصب على أنها منصوبة على المحل فإذا حملناه على ذلك لم يكن بينهما تعارض بل يكون معناهما النصب وإن اختلف اللفظ فيهما ومتى أمكن الجمع لم يجز الحمل على التعارض والاختلاف والدليل على جواز العطف على المحل قوله تعالى * (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) * وقال الشاعر * ألا حي ندماني عمير بن عامر * إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا * فنصب غدا على المحل قلت العطف على المحل خلاف السنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم * أما السنة فحديث عمرو بن عبسة الذي أخرجه مسلم وفيه ثم يغسل قدميه إلى الكعبين الحديث * وأما الإجماع فهو ما روى عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال بينا يوم نحن والحسن يقرأ على علي رضي الله عنه وجليس قاعد إلى جنبه يحادثه فسمعته يقرأ (وأرجلكم) ففتح عليه الجليس بالخفض فقال علي وزجره إنما هو (فاغسلوا وجوهكم واغسلوا أرجلكم) من
(٢٣٩)