البرقي عن أشهب يجزيه مقدم رأسه وهو قول الأوزاعي والليث وظاهر مذهب مالك الاستيعاب وعنهم يجزيه أدنى ما يطلق عليه اسم المسح والسادس مسح كله فرض ويعفى عن ترك شيء يسير منه يعزى إلى الطرطوشي وللشافعية قولان صرح أكثرهم بأن مسح بعض شعرة واحدة يجزيه وقالوا يتصور ذلك بأن يكون رأسه مطليا بالحناء بحيث لم يبق من الشعر ظاهرا إلا شعرة واحدة فأمر يده عليها وهذا ضعيف جدا فإن الشرع لا يرد بالصورة النادرة التي يتكلف في تصورها وقال ابن القاضي الواجب ثلاث شعرات وهو أخف من الأول ويحصل أضعاف ذلك بغسل الوجه وهو يجزئ عن المسح في الصحيح والنية عند كل عضو ليست بشرط بلا خلاف عندهم ودليل الترتيب ضعيف وعندنا في المفروض منه ثلاث روايات في ظاهر الروايات ثلاث أصابع ذكره في المحيط والمفيد وهو رواية هشام عن أبي حنيفة وفي رواية الكرخي والطحاوي مقدار الناصية وذكر في اختلاف زفر عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنهما قالا لا يجزيه إلا أن يمسح مقدار ثلث رأسه أو ربعه وروى يحيى بن أكتم عن محمد أنه اعتبر ربع الرأس وقال أبو بكر عندنا فيه روايتان الربع وثلاث أصابع وبعض المشايخ صحح الرواية بثلاث أصابع وبعضهم رواية الربع احتياطا وفي جوامع الفقه عن الحسن يجب مسح أكثر الرأس وعن أحمد يجب مسح جميعه وعنه يجزئ مسح بعضه والمرأة يجزيها مسح مقدم رأسها في ظاهر قوله وفي المغنى واختلف في قدر الواجب فروى عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك والرواية الثانية يجزئ مسح بعضه قال أبو الحارث قلت لأحمد فإن مسح برأسه وترك بعضه قال يجزيه ثم قال ومن يمكنه أن يأتي على الرأس كله ونقل عن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح مقدم رأسه وابن عمر رضي الله عنهما مسح اليافوخ وممن قال بمسح البعض الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن الظاهر عن أحمد في حق الرجل وجوب الاستيعاب وفي حق المرأة يجزيها مقدم الرأس قال الخلال العمل في مذهب أبي عبد الله أنها إن مسحته بمقدم رأسها أجزأها وقال مهني قال أحمد أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل وقال في الروضة الواجب في مسح الرأس ما ينطلق عليه الاسم ولو بعض شعرة أو قدره من البشرة وفي وجه شاذ يشترط ثلاث شعرات وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حد الرأس لو مد سبطا كان أو جعدا انتهى * اعلم أن الذي ذهب إليه الشافعي في مسح الرأس لم يوجد له نص في الأحاديث التي رويت في صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام بخلاف ما ذهب إليه مالك وأصحابنا * أما ما ذهب إليه مالك فهو حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رواه مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام فأكفأ على يديه من التور فغسل يديه ثلاثا ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين مرتين ثم أدخل يده في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ثم غسل رجليه أخرجه الجماعة كلهم من حديث مالك * وأما ما ذهب إليه أصحابنا فهو حديث المغيرة بن شعبة أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة مطولا ومختصرا وقال أصحابنا قوله تعالى * (وامسحوا برؤوسكم) * مجمل فالتحق الحديث بيانا به فإن قلت الحديث يقتضي بيان عين الناصية والمدعي ربع غير معين وهو مقدار الناصية فلا يوافق الدليل المذكور قلت الحديث يحتمل معنيين بيان المجمل وبيان المقدار وخبر الواحد يصلح بيانا لمجمل الكتاب والإجمال في المقدار دون المحل لأنه الرأس وهو معلوم فلو كان المراد منه المعين يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد فإن قلت لا نسلم أن الإجمال في المقدار لأن المراد منه مطلق البعض بدليل دخول الباء في المحل والمطلق لا يحتاج إلى البيان قلت المراد بعض لا مطلق المقدار لوجوه * الأول أن المسح على أدنى ما ينطلق عليه الاسم وهو مقدار شعرة غير ممكن إلا بزيادة غير معلومة. والثاني أن الله أفرد المسح بالذكر ولو كان المراد بالمسح مسح مطلق البعض وهو حاصل في ضمن الغسل لم يكن للإفراد بالذكر فائدة. والثالث أن المفروض في سائر الأعضاء غسل مقدار فكذا في هذه الوظيفة فكان مجملا في حق المقدار فيكون فعله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بيانا ويقال الباء للإلصاق فاقتضى إلصاق آلة المسح بالرأس لكن الإلصاق يحصل مع
(٢٣٥)