منادى فوجب أن يكون ما بعده خطابا فكان قوله * (قمتم) * بالخطاب واقعا في محله مخرج على مقتضى ظاهره فلا يكون من الالتفات لأنه انتقال من صيغة إلى صيغة أخرى سواء كان من الضمائر بعضها إلى بعض أو من غيرها * ثم اعلم أن بعضهم قد ذكر بناء على ما سبق من أن قوله * (يا أيها الذين آمنوا) * في حكم الخطاب أن الغائبين إنما يدخلون تحت الخطاب بالدلالة أو الإجماع وقال بعضهم إنما قال * (آمنوا) * ولم يقل آمنتم ليدخل تحته كل من آمن إلى يوم القيامة ولو قال آمنتم لاختص بمن كانوا في عصر النبي عليه السلام. وفيها إرادة الفعل بالفعل لأن معنى قوله * (إذا قمتم إلى الصلاة) * إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا كما في قوله تعالى * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) * التقدير فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله قال الزمخشري فإن قلت لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل قلت لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهي قصده إليه وخلوص داعيه فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير والأعمى لا يبصر أي لا يقدران على الطيران والإبصار كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما ولإيجاز الكلام (النوع الخامس في استنباط الأحكام) وهو على أنواع * الأول ظاهر الآية يقتضي وجوب الطهارة بعد القيام إلى الصلاة لأنه جعل القيام إليها شرطا لفعل الطهارة وحكم الجزاء أن يتأخر عن الشرط ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إنما يقع الطلاق بعد الدخول وهذا لا خلاف فيه بين أهل اللغة أنه مقتضى اللفظ وحقيقته وإلى هذا ذهب أهل الظاهر فقالوا الوضوء سببه القيام إلى الصلاة فكل من قام إليها فعليه أن يتوضأ والجواب عن هذا أن معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة من مضاجعكم فاغسلوا الخ أو إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا والدليل على ذلك من السنة والقياس * أما السنة فما رواه مسلم وقال حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال حدثنا أبي قال حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد وحدثني محمد بن حاتم واللفظ له قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر رضي الله عنه لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال عمدا صنعته يا عمر ورواه الطحاوي والترمذي أيضا وقال حديث حسن صحيح فدل هذا الحديث على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للطهارة إذ لم يجدد النبي عليه السلام الطهارة لكل صلاة فثبت بذلك أن في الآية مقدرا يتعلق به إيجاب الوضوء وهو إذا قمتم إلى الصلاة من مضاجعكم وروى الطحاوي في معاني الآثار وأبو بكر الرازي في الأحكام والطبراني في الكبير من طريق جابر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن علقمة بن الغفراء عن أبيه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب أو أهرق الماء إنما نكلمه فلا يكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا حتى نزلت * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * فدل هذا الحديث على أن الآية نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة وأن التقدير في الآية إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون فإن قلت حديث جابر الجعفي غير ثابت فلا يتم به الاستدلال قلت لا نسلم ذلك لأن سفيان يقول كان جابر ورعا في الحديث ما رأيت أورع في الحديث منه وعن شعبة هو صدوق في الحديث وعن وكيع ثقة وروى ذلك أيضا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم فروى البخاري عن مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني عمرو بن عامر عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي عليه السلام يتوضأ عند كل صلاة قلت كيف كنتم تصنعون قال يجزي أحدنا الوضوء ما لم يحدث وقال الطحاوي حدثنا أبو بكرة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة عن عمرو بن عامر قال سمعت أنسا رضي الله عنه يقول كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث وروى ابن أبي شيبة في مصنفه وقال حدثنا يحيى بن سعيد عن مسعود بن علي عن عكرمة قال قال سعد إذا توضأت فصل بوضوئك ذلك ما لم تحدث وروى الطحاوي وقال حدثنا أبو بكرة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة قال أخبرني مسعود بن علي عن عكرمة أن سعدا كان يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث ورجاله ثقات وأبو داود هو الطيالسي صاحب المسند ومسعود بن علي البصري وثقه ابن حبان وغيره وروى عبد الرزاق في مصنفه وقال حدثنا معمر عن قتادة عن يونس بن جبير أبي غلاب عن عطاء بن عبد الله الرقاشي قال كنا مع أبي موسى الأشعري في جيش على ساحل دجلة إذ حضرت
(٢٣٠)