حنيفة رضي الله عنه فإن ذلك ليس قوله ولا نقله عنه أحد من أصحابه فكيف يقول قال أبو حنيفة كذا وكذا وهذا جراءة على الأئمة (النوع الثالث في إعراب الآية) فقوله * (يا) * حرف نداء وأي منادى والهاء مقحمة للتنبيه والذي صفة لأي والتقدير يا أيها القوم الذين كما بيناه ونظير ذلك يا أيها الرجل قوله * (آمنوا) * جملة من الفعل والفاعل وقعت صلة للموصول ولا محل لها من الإعراب لأن الجملة لا يكون لها محل من الإعراب إلا إذا وقعت موقع المفرد كما بين ذلك في موضعه قوله * (إذا) * للشرط و * (قمتم) * جملة من الفعل والفاعل فعل الشرط وقوله * (فاغسلوا) * جواب الشرط فلذلك دخلت الفاء وهو جملة من الفعل والفاعل قوله * (وجوهكم) * كلام إضافي مفعوله وقوله * (أيديكم) * بالنصب عطف على وجوهكم التقدير فاغسلوا أيديكم وقوله * (وامسحوا) * جملة من الفعل والفاعل عطف على * (فاغسلوا) * وقوله * (برؤوسكم) * جار ومجرور في محل النصب على المفعولية قوله * (وأرجلكم) * بنصب اللام وخفضها فالنصب في قراءة نافع وابن عامر والكسائي والخفض في قراءة الباقين وقال الرازي في الأحكام قرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير * (وأرجلكم) * بالخفض وتأولوها على المسح وقرأ علي وعبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية وإبراهيم والضحاك ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بالنصب وكانوا يرون غسلهما واجبا وسيجئ مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى (النوع الرابع فيما يتعلق بالمعاني والبيان) فيها الافتتاح بالنداء الذي هو نوع من أنواع الطلب لأنه طلب إقبال المخاطب بحرف نائب مناب ادعوا * وفيها تقييد الفعل بحرف الشرط وذلك يكون في التراكيب لاعتبارات شتى لا تعرف ذلك إلا بمعرفة أدوات الشرط التي هي إن وإما وإذا وإذا ما وإذ وإذما ومتى ومتى ما وأين وأينما وحيث وحيثما ومن وما ومهما وأي وأنى ولو وصاحب المعاني لا يتكلم إلا في إذا وإن ولو لكثرة دورانها مع تعلق اعتبارات لطيفة بها أما إن وإذا فللشرط مع الاستقبال يعني لتعليق الفعل على الفاعل في الزمان المستقبل لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشرط يعني عدم جزم القائل بوقوع شرطها ولا وقوعه بل تجويز كل منهما لكونه غير محقق الوقوع كما في إذا طلعت الشمس واللاوقوع كما في إن طار إنسان ونحو إن يكرمني أكرمك إذا لم يعلم القائل أيكرمه أم لا وأصل إذا الجزم أي جزم القائل بوقوع الشرط تحقيقا كما مر أو خطابيا كقولك إذا جاء محبي فإن مجيئه ليس قطعيا تحقيقا كطلوع الشمس بل تقديرا باعتبار خطابي أي ظني وهو أن المحب يزوره المحب فإذا تمهد هذا فنقول ذكر في الآية الكريمة بإذا دون إن وذكر في آية الغسل بأن دون إذا وذلك لأنه لما كان القيام إلى الصلاة من الأمور اللازمة والأشياء الغالبة بالنسبة إلى حالة المؤمن ذكره بإذا الذي تدخل على أمر كائن أو منتظر لا محالة بخلاف الجنابة فإنها بالنسبة إلى القيام إلى الصلاة قليلة جدا وهو من الأشياء المترددة الوجود والأمور العارضة فلذلك خصت بأن فإن قلت ما تقول في قولهم إن مات فلان قلت هذه الجهالة في وقت الموت لا في وقوعه فلا يقدح ذلك * وفيها استعمال الغائب موضع المخاطب وذلك لأن القياس في قوله * (آمنوا) * أن يقال آمنتم لأن من حق المنادى بكونه مخاطبا أن يعبر عنه بالضمير فيقال يا إياك ويا أنت إذ مقتضى الحال في المخاطب أن يعبر عنه بضميره لكن لما كان النداء لطلب الإقبال ليخاطب بعده بالمقصود والمنادى ذاهل عن كونه مخاطبا نزل منزلة الغائب فعبر عنه بالمظهر الذي هو للغائب ليكون أقضى لحق البيان. وفيها اختيار لفظ الماضي على المضارع في قوله * (قمتم) * وذلك لأنه لما تم النداء واستحضر المنادى أتى بضمير المخاطب بقوله * (قمتم) * ولما جاء الاختلاف بين * (آمنوا) * و * (قمتم) * ذهب بعضهم إلى أن هذا من قبيل الالتفات لأن آمنوا مغايبة وقمتم مخاطبة وممن قال ذلك الشيخ حافظ الدين النسفي في المستصفى في شرح النافع وشنع عليه الشيخ قوام الدين الأتراوي في شرحه ونسبه في ذلك إلى الغلط وقال وليس الأمر كذلك لأن الالتفات إنما يكون فيما إذا كان حق الكلام بالغيبة وذكر بالخطاب أو بالعكس ولم يقع الكلام في الآية إلا في الموضع الذي اقتضاه قلت على تقريره كلام النسفي صحيح والحط عليه مردود يفهم ذلك من التقرير الذي سبق بل الصحيح أن منع الالتفات ههنا مبني على أن آمنوا صلة الذين والموصولات غيب والضمير الذي يكون راجعا من الصلة إلى الموصول لا يكون إلا غائبا ولكن الجملة كلها أعني قوله * (يا أيها الذين آمنوا) * في حكم الخطاب لأنه
(٢٢٩)