المصنف في الديات عن أبي نعيم بهذا الإسناد: فمن قتل له قتيل. قلت: كل ذلك فيه نظر، أما كلام الكرماني فيلزم منه الإضمار قبل الذكر، وأما كلام الخطابي فيلزم فيه حذف الفاعل، وأما كلام بعضهم فهو من كلام الخطابي وليس من عنده شيء، والتحقيق هنا أن يقدر فيه مبتدأ محذوف وحذفه سائغ شائع والتقدير: فمن أهله قتل فهو بخير النظرين: فمن، مبتدأ و: أهله قتل جملة من المبتدأ والخبر وقعت صلة للموصول. وقوله: (فهو) مبتدأ، وقوله (بخير النظرين) خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، والضمير في: قتل، يرجع إلى الأهل المقدر، وقوله: فهو، يرجع إلى من. والباء في قوله: بخير النظرين، يتعلق بمحذوف تقديره: فهو مرضي بخير النظرين، أو عامل، أو مأمور ونحو ذلك. وتقدير: مخير، ليس بمناسب، ومعنى خير النظرين: أفضلهما. قوله: (إما) بكسر الهمزة للتفصيل، و: أن، بفتح الهمزة مصدرية، وكذا قوله، وإما أن، والتقدير: إما العقل وإما القود. قوله: (من أهل اليمن) في محل الرفع على أنه صفة لرجل، وكذا قوله من قريش. قوله: (إلا الإذخر يا رسول الله). قال الكرماني: مثله ليس مستثنى بل هو تلقين بالاستثناء. فكأنه قال: قل يا رسول الله: لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها إلا الإذخر.. وأما الواقع في لفظه، عليه الصلاة والسلام، فهو ظاهر أنه استثناء من كلامه السابق. قلت: كل منهما استثناء، والتقدير الذي قدره يدل على ذلك وهو المستثنى منه كما في الواقع في لفظ الرسول، ويجوز فيه الرفع على البدل مما قبله، والنصب على الاستثناء لكونه واقعا بعد النفي. وقال الشيخ قطب الدين: إلا الإذخر، استثناء من: (لا يختلى خلاها)، وهو بعض من كل. فإن قلت: كيف جاز هذا الاستثناء وشرطه الاتصال بالمستثنى منه وههنا قد وقع الفاصلة؟ قلت: قال الكرماني: جاز الفصل عند ابن عباس، فلعل أباه أيضا جوز ذلك، أو الفصل كان يسيرا وهو جائز اتفاقا، وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أنه قال أولا مثله ليس مستثنى بل هو تلقين بالاستثناء، فإذا لم يكن مستثنى لا يرد سؤاله. والآخر: قوله أو الفصل كان يسيرا، وليس كذلك بل الفصل كثير، والصواب ما ذكرنا أن المستثنى منه محذوف والاستثناء منه من غير فصل.
بيان المعاني: قوله: (قتلوا رجلا) لم يسم اسمه، وأما المقتول الذي قتل في الجاهلية فاسمه أحمر، وفي رواية البخاري: لما كان الغد من يوم الفتح... فذكر إلى أن قال: بقتيل منهم قتلوه في الجاهلية، وعند ابن إسحاق: بقتيل منهم قتلوه وهو مشرك، وذكر القصة وهو أن خراش بن أمية من خزاعة قتل ابن الأثرع الهذلي وهو مشرك بقتيل قتل في الجاهلية يقال له أحمر، فقال النبي، عليه الصلاة والسلام: (يا معشر خزاعة إرفعوا أيديكم عن القتل، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين...) وذكر الحديث. قوله: (إن الله حبس) أي: منع عن مكة القتل، بالقاف والتاء المثناة من فوق، وقال الكرماني: ما يدل عليه أنه روى: والفتك أيضا بالفاء والكاف، وفسره بسفك الدم، وله وجه إن ساعدته الرواية. قوله: (أو الفيل) بالفاء المكسورة وسكون الياء آخر الحروف، وهو الحيوان المشهور الذي ذكره الله تعالى في قوله: * (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) * (الفيل: 1) السورة، فأرسل الله تعالى على أصحابه طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل حين وصلوا إلى بطن الوادي بالقرب من مكة. قوله: (قال محمد)، وجعلوه على الشك، كذا قال أبو نعيم: الفيل أو القتل، وفي بعض النسخ: (إن الله حبس عن مكة القتل أو الفيل)، كذا قال أبو نعيم، واجعلوا على الشك الفيل أو القتل. وفي بعضها: قال أبو عبد الله: كذا قال أبو نعيم، اجعلوه على الشك، والمراد من قوله: قال محمد هو البخاري نفسه، وكذا من قوله: قال أبو عبد الله، والمعنى على النسخة الأولى، وجعله الرواة على الشك. كذا قال أبو نعيم الفضل بن دكين شيخه، وعلى النسخة الثانية يكون: واجعلوا من مقول أبي نعيم، وهي صيغة أمر للحاضرين. أي: اجعلوا هذا اللفظ على الشك. وعلى النسخة الثالثة يكون: إجعلوا، من مقول البخاري نفسه. فافهم. قوله: (وغيره يقول الفيل)، أي غير أبي نعيم يقول الفيل، بالفاء من غير شك، والمراد بالغير: من رواه عن شيبان رفيقا لأبي نعيم، وهو عبد الله بن موسى، ومن رواه عن يحيى رفيقا لشيبان هو حرب بن شداد، لما سيأتي بيانه في الديات إن شاء الله تعالى. والمراد بحبس الفيل حبس أهل الفيل، وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل، فمنعها الله منهم وسلط عليهم الطير الأبابيل، مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارا، فحرمة أهلها بعد الإسلام آكد، لكن غزو النبي، عليه الصلاة والسلام، إياها مخصوص به على ظاهر هذا الحديث وغيره. قوله: (ولا تحل لأحد بعدي) معنى حلال مكة حلال القتال فيها، وقد مر أن في رواية الكشميهني