عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٩٨
جانبه الذي يصونه في نفسه، وحسبه ويحامي عنه، قال عنترة:
* فإذا شربت فإنني مستهلك * مالي، وعرضي وافر لم يكلم * قوله: (ومن وقع في الشبهات)، بضم الشين والباء، وفيها من اختلاف الرواة ما تقدم. قوله: (الحمى)، بكسر الحاء وفتح الميم المخففة، وهو موضع حظره الإمام لنفسه ومنع الغير عنه، وقال الجوهري: حميته إذا دفعت عنه، وهذا شيء حمي: أي محظور: لا يقرب؛ وقال بعضهم: الحمى المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول. قلت: هذا ليس بمصدر بل هو: اسم مصدر، ومصدر: حمى يحمي حماية. قوله: (يوشك) بكسر الشين أي: يقرب. قوله: (أن يوافقه) أي يقع فيه قوله: (محارمه) أي: معاصيه التي حرمها: كالقتل والسرقة، وهو جمع محرم، وهو الحرام، ومنه يقال هو ذو محرم منها إذا لم يحل له نكاحها، ومحارم الليل مخاوفها التي يحرم على الجبان أن يسلكها. قوله: (مضغة) أي: قطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها. قوله: (صلحت)، بفتح اللام وضمها، والفتح أصح، وفي (العباب): الصلاح ضد الفساد، تقول: صلح الشيء يصلح صلوحا، مثال: دخل يدخل دخولا. وقال الفراء: حكى أصحابنا أيضا بضم اللام. قوله: (فسد) من فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا فهو فاسد، وقال ابن دريد: فسد يفسد، مثال: قعد يقعد، لغة ضعيفة، وقوم فسدى، كما قاولوا: ساقط وسقطي، وكذلك: فسد، بضم السين، فسادا فهو فسيد، وقال الليث: الفساد ضد الصلاح، والمفسدة خلاف المصلحة، وفي (العباب) الفساد أخذ المال بغير حق، هكذا فسر مسلم البطين قوله تعالى: * (للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) * (القصص: 83) قوله: (القلب)، وفي (العباب): القلب: الفؤاد، وقد يعبر به عن العقل، وقال الفراء في قوله تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * (ق 1764;: 37) أي: عقل، يقال: ما قلبك معك أي: ما عقلك. وقيل: القلب أخص من الفؤاد، وقال الأصمعي: وفي البطن الفؤاد وهو القلب، سمي به لتقلبه في الأمور، وقيل: لأنه خالص ما في البدن، إذ خالص كل شيء قلبه، وأصله مصدر قلبت الشيء أقلبه قلبا إذا رددته علي بذاته، وقلبت الإناء رددته على وجهه، وقلبت الرجل عن رأيه وعن طريقه إذا صرفته عنه، ثم نقل وسمى به هذا العضو الشريف لسرعة الخواطر فيه وترددها عليه، وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
* ما سمي القلب إلا من تقلبه * فاحذر على القلب من قلب وتحويل * وكان مما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). وقال القرطبي، ثم إن العرب لما نقلته لهذا العضو التزمت فيه التفخيم في قافه، للفرق بينه وبين أصله، وقد قال بعضهم: ليحذر اللبيب من سرعة انقلاب قلبه، إذ ليس بين القلب والقلب إلا التفخيم، وما يعقلها إلا كل ذي فهم مستقيم.
بيان الإعراب: قوله: (الحلال) مبتدأ و (بين) خبره، وكذلك (الحرام بين): مبتدأ وخبر، وكذلك قوله: (وبينهما مشتبهات)، ولكن الخبر ههنا مقدم وهو الظرف. قوله: (لا يعلمها كثير من الناس) جملة في محل الرفع على أنها صفة لقوله (مشتبهات). قوله: (فمن اتقى)، كلمة: من، موصولة مبتدأ، وقوله: (اتقى الشبهات) جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير الذي في: اتقى، العائد إلى: من، والمفعول، وهو قوله: (الشبهات)، صلة لها، وقوله: (استبرأ) خبره، و (لعرضه) يتعلق به. قوله: (من وقع) إلخ، كلمة من ههنا يجوز أن تكون شرطية، ويجوز أن تكون موصولة. فإذا كانت شرطية فقوله: وقع في الشبهات، جملة وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. وهكذا في رواية الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاري بإظهار الجواب، وكذا في رواية مسلم من طريق زكريا التي أخرجه منها البخاري. وقوله: (كراع يرعى حول الحمى) جملة مستأنفة، وقوله: كراع، خبر مبتدأ محذوف. أي مثله كراع أي مثل راع يرعى وقوله: (يرعى) جملة من الفعل والفاعل صفة لراع، أو المفعول محذوف تقدير: كراع يرعى مواشيه. وقوله: (حول الحمى) كلام إضافي نصب على الظرف. وقوله: (يوشك إن يواقعه) جملة وقعت صفة أخرى لراع ويوشك، من أفعال المقاربة، وهو مثل كاد وعسى في الاستعمال: أعني تارة يستعمل استعمال: كاد، بأن يرفع الفعل، وخبره فعل مضارع بغير أن متأول باسم الفعل، نحو: يوشك زيد يجيء، أي: جائيا، نحو: كاد زيد يجيء. وتارة يستعمل استعمال عسى، بأن يكون فاعلها على نوعين: أحدهما: أن يكون اسما نحو: عسى زيد أن يخرج، فزيد فاعل، وأن يخرج في موضع نصب لأنه يمنزلة: قارب زيد الخروج، والآخر: أن يكون مع صلتها في موضع الرفع: نحو عسى أن يخرج زيد، فيكون إذ ذاك بمنزلة قرب أن يخرج، أي: خروجه، وكذلك يوشك زيد أن يجئ، ويوشك أن يجيء زيد. وفي قوله: (يوشك)
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»