عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٩٤
البخاري أولا فجعل ذلك كله دينا وقال ههنا جعل ذلك كله من الإيمان قلت أما جعله دينا فظاهر حيث قال عليه السلام في آخر الحديث ' يعلم الناس دينهم ' وأما جعله إيمانا فكلمة من إما تبعيضية والمراد بالإيمان هو الإيمان الكامل المعتبر عند الله تعالى وعند الناس فلا شك إن الإسلام والإحسان داخلان فيه وأما ابتدائية ولا يخفى أن مبدأ الإحسان والإسلام هو الإيمان بالله إذ لولا الإيمان به لم تتصور العبادة له 38 ((باب)) كذا وقع بلا ترجمة في رواية كريمة وأبي الوقت، وسقط ذلك بالكلية من رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما، ورجح النووي الأول، قال: لأن الترجمة، يعني: سؤال جبريل عليه السلام، عن الإيمان لا يتعلق بها هذا الحديث، فلا يصح ادخاله فيه، وقد قيل: نفي التعليق لا يتم هنا على الحالين، لأنه إن ثبت لفظ باب بلا ترجمة فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، فلا بد له من تعلق به، وإن لم يثبت فتعلقه به متعين، لكنه يتعلق بقوله في الترجمة: جعل ذلك كله دينا. ووجه بيان التعلق أنه سمى الدين: إيمانا في حديث هرقل، فيتم مراد البخاري بكون الدين هو الإيمان. فإن قلت: لا حجة له فيه لأنه منقول عن هرقل. قلت: إنه ما قاله من قبل اجتهاده. وإنما أخبر به عن استقرائه من كتب الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وأيضا فهرقل قاله بلسانه الرومي، فرواه عنه أبو سفيان بلسانه العربي، وألقاه إلى ابن عباس، رضي الله عنهما، وهو من علماء اللسان، فرواه عنه، ولم ينكره، فدل على أنه صحيح لفظا ومعنى: وقد يقال: إن هذا لم يكن أمرا شرعيا، وإنما كان محاورة، ولا شك أن محاوراتهم كانت على العرف الصحيح المعتبر الجاري على القولين، فجاز الاستدلال بها. فإن قلت: باب، كيف يقرأ؟ وهل له حظ من الإعراب؟ قلت: إن قدرت له مبتدأ يكون مرفوعا على الخبرية، والتقدير: وهذا باب، وإلا لا يستحق الإعراب لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ويكون مثل الأسماء التي تعد، وهو هنا بمنزلة قولهم بين الكلام: فصل كذا وكذا، يذكرونه ليفصلوا به بين الكلامين.
51 حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره قال أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد.
(الحديث 51 انظر الحديث 7).
لم يضع لهذا ترجمة، وإنما اقتصر من حديث أبي سفيان الطويل على هذه القطعة لتعلق غرضه لها، وساقه في كتاب الجهاد تاما بهذا الإسناد الذي أورده ههنا، ومثل هذا يسمى: خرما، وهو أن يذكر بعض الحديث ويترك البعض، فمنعه بعضهم مطلقا، وجوزه الآخرون، والصحيح أنه يجوز من العالم إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة، ولا فرق بين أن يكون قد رواه قبل على التمام أو لم يروه. قال الكرماني: فممن وقع هذا الخرم؟ قلت: الظاهر أنه من الزهري لا من البخاري لاختلاف شيوخ الإسنادين بالنسبة إلى البخاري، فلعل شيخه: إبراهيم بن حمزة لم يذكر في مقام الاستدلال على أن الإيمان دين إلا هذا القدر. قلت: كيف يكون الخرم من الزهري وقد أخرجه البخاري بتمامه بهذا الإسناد في كتاب الجهاد؟ وليس الخرم إلا من البخاري للعلة التي ذكرناها آنفا.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: إبراهيم بن حمزة بن محمد بن مصعب بن عبد الله بن زبير بن العوام، القرشي الأسدي المدني، روى عن جماعة من الكبار، وروى عنه البخاري وأبو داود وغيرهما، وروى النسائي عن رجل عنه، قال ابن سعد: ثقة صدوق، مات سنة ثلاثين ومائتين بالمدينة. الثاني: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني، وقد مر فيما مضى. الثالث: صالح بن كيسان الغفاري المدني، وتقدم. الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وتقدم ذكره غير
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»