فما اتى على آخر كلامه حتى انتضم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا وغضبا وهو لا يشعر فلما أمسك كرز بن سيرة اقبل عليه العاقب - واسمه عبد المسيح بن شرحبيل - وهو يومئذ عميد القوم وأمير رأيهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون جميعا الا عن قوله فقال:
أفلح وجهك وانس ربعك " 1 " وعز جارك وامتنع ذمارك " 2 " ذكرت وحق مغيرة الجباه حسبا صميما وعيصا " 3 " كريما وعزا قديما، ولكن أبا سيرة لكل مقام مقال ولكل عصر رجال والمرء بيومه أشبه منه بأمسه، وهي الأيام تهلك جيلا وتديل قبيلا " 4 " والعافية أفضل جلباب وللآفات أسباب، فمن أوكد أسبابها التعرض لأبوابها.
ثم صمت العاقب مطرقا فاقبل عليه السيد - واسمه اهتم " أهم " بن النعمان - وهو يومئذ أسقف نجران، وكان نظير العاقب في علو المنزلة وهو رجل من عاملة وعداده في لخم فقال له:
سعد جدك وعلا جدك " 5 " أبا وائلة ان لكل لامعة ضياء، وعلى كل صواب نورا ولكن لا يدركه وحق واهب العقل الا من كان بصيرا، انك أفضيت وهذان فيما تفرق بكم الكلم إلى سبيلي حزن " 6 " وسهل،