فكأن الخليفة يحسب إن الهرج الموجود في العطاء عنده سوف يتسرب معه إلى باب الأجنة يحابي قومه بالنعيم كما حاباهم في الدنيا بالأموال، فما حظي الخليفة بما أحب لهم في الدنيا يوم طحنهم بكلكله البلا، وأجهزت عليهم المآثم والجرائم، وأما الآخرة فإن بينهم وبين الجنة لسدا بما اقترفوه من الآثام، فلا أرى الخليفة يحظى بأمنيته هنالك، ونحن لا نعرف نظرية الخليفة في أمر الثواب والعقاب، ولا ما يأول به الآي الواردة فيهما في الذكر الحكيم، ولا رأيه في الجنة والنار وأهلهما، أيطمع كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم؟ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء؟ كلا إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين. كلا إن كتاب الفجار لفي سجين. كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة؟ نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة. أزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة.
فهؤلاء الأمويون لم يكونوا في أمل الخليفة ولا أغنوا عنه شيئا يوم ضحى نفسه وجاهه وملكه لأجلهم حتى قتل من جراء ذلك، ولا أحسب أنهم مغنون عنه شيئا غدا عند الله يوم لا يغني عنه مال ولا بنون.
م ألا تعجب من خليفة لا يروقه إيثار نبيه بني هاشم على سائر قريش وتدعوه عصبيته العمياء إلى أن يعارض بمثل هذا التافه المخزي قوله صلى الله عليه وآله فيما أخرجه أحمد:
يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم]. (1) 20 تسيير الخليفة أبا ذر إلى الربذة روى البلاذري: لما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى الحارث ابن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم جعل أبو ذر يقول: بشر الكانزين بعذاب أليم ويتلو قول الله عز وجل: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (2) فرفع ذلك