والله ما هذا البلد بمحلة لبني غفار فقال أخرجت كارها. فقال بشر بن حوشب: فحدثت بهذا الحديث سعيد بن المسيب فأنكر أن يكون عثمان أخرجه وقال: إنما خرج أبو ذر إليها راغبا في سكناها (1).
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فقلت لأبي ذر: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: الذين يكنزون الذهب والفضة. فقال: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: فينا وفيهم. فكتب يشكوني إلى عثمان فكتب عثمان: إقدم المدينة. فقدمت فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكر ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبا. فذلك الذي أنزلني هذا المنزل.
قال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث: وفي رواية الطبري إنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام. وقال بعد قوله: إن شئت تنحيت. في رواية الطبري: تنح قريبا. قال:
والله لن أدع ما كنت أقوله. ولابن مردويه: لا أدع ما قلت.
وذكر المسعودي أمر أبي ذر بلفظ هذا نصه: إنه حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان: أرأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال كعب: لا يا أمير المؤمنين فدفع أبو ذر في صدر كعب وقال له: كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا. الآية (2).
فقال عثمان: أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب: لا بأس بذلك. فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال: يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا؟ فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي غيب وجهك عني فقد آذيتني. فخرج أبو ذر إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان:
إن أبا ذر تجتمع إليه الجموع ولا آمن أن يفسدهم عليك، فإن كان في