وعن عبيدة قال: حفظت عن عمر مائة قضية في الجد قال وقال: إني قد قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها لا آلو فيه عن الحق، ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لأقضين فيها بقضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها.
وأخرج البيهقي في السنن عن طارق بن شهاب قال: أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتفا وجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليكتب في الجد وهم يرون أنه يجعله أبا فخرجت عليه حية فتفرقوا، فقال: لو أن الله أراد أن يمضيه لأمضاه.
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1 ص 61: كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ويفتي بضده وخلافه، قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال: من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه.
قال الأميني: أنا لا أدري أن هذه القضايا المتناقضة البالغ عددها إلى المائة في موضوع واحد هل كلها موافقة للواقع؟ وليس من المعقول ذلك. أو أن بعضها موافق؟
فلم لم يرجع إليه في جميع الموارد. وهل هي كلها عن اجتهاد الخليفة؟ أو أنها متخذة من الصحابة؟ وهل الصحابة كانوا يفتون بذلك عن آرائهم؟ أو اتخذوها عن النبي الأمين؟
فإن كان سماعا؟ فلا تختلف الفتيا فيه ولا سيما مع قرب العهد به صلى الله عليه وسلم. وإن كان اجتهادا منهم؟ فمن ذا الذي يعترف لهم يعترف لجميعهم بالتأهل للاجتهاد؟ على أن لنا بعد التنازل لهم بالأهلية حق النظر فيما اجتهدوا وفيما استندوا إليه، ومثل هذا الاجتهاد الفارغ لا حجة فيه حتى من نفس الخليفة.
ثم إن خليفة المسلمين كيف يسوغ له الجهل بما شرعه نبي الاسلام حتى يربكه ذلك في التناقض؟ فيأخذ الحق في بعض الموارد من أفواه الرجال، ويمضي على ضلته حيث لم يصادف أحدا منهم.
وما أعضلت هذه المسألة على الخليفة؟ ولم يمكن من تعلمها طيلة حياته، وما شأنه وقد ظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يموت قبل أن يعلمها ومات ولم يعلم؟ وما سوغ له القضاء في تلكم القضايا الجمة وهو لا يعلم حكمها وقد أخبره النبي الأعظم بذلك؟
ولست أدري كيف حفظتها الأمة وتلقتها في قرونها الخالية من دون أن تصعب على أي فقيه أو متفقه وقد أشكلت على الخليفة وهو مع ذلك أعلم الصحابة في زمانه