تقم البينة على ذلك فكيف رفع أيدي القوم عما كان في حيازتهم ورفض دعاويهم بأنها من ربح تجارة، أو نتاج خيل، أو منافع زرع، أو ثمن ضيعة؟ ولم لم يحاكمهم في الأمر بإحضار الشهود والتدقيق في القضية وغرم قبل ذلك بمجرد الظنة والتهمة؟ ويد المسلم من إمارات الملك ودعواه له بلا معارض مسموع منه وإلا لما قام للمسلمين سوق.
على أن ظاهر حال هؤلاء الصحابة المغرمين بمقتضى فقه الخليفة إنهم لصوص بأقبح التلصص لأن السارق في الغالب لا يسرق إلا من واحد أو اثنين أو أكثر يعدون بالأنامل لكن هؤلاء بحكم تلك المشاطرة سراق من مال المسلمين جميعا، وكان قد ائتمنهم قبل ذلك وبعده على نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأحكامهم باستعمالهم على البلاد، والعباد، غير أنه كان فيهم من تنصل عن العمل بعد التغريم، أصحيح إنهم كانوا هكذا؟ أنا لا أدري. أصحيح أنهم كلهم عدول؟ أيضا لا أدري.
86 الخليفة في شراء الإبل عن أنس بن مالك قال: إن أعرابيا جاء بإبل له يبيعها فأتاه عمر يساومه بها فجعل عمر ينخس بعيرا بعيرا يضربه برجله ليبعث البعير لينظر كيف قواده فجعل الأعرابي يقول:
خل إبلي لا أبا لك. فجعل عمر لا ينهاه قول الأعرابي أن يفعل ذلك ببعير بعير، فقال الأعرابي لعمر: إني لأضنك رجل سوء. فلما فرغ منها اشتراها فقال: سقها وخذ أثمانها فقال الأعرابي: حتى أضع عنها أحلاسها وأقتابها فقال عمر: اشتريتها وهي عليها فهي لي كما اشتريتها فقال الأعرابي: أشهد إنك رجل سوء فبينما هما يتنازعان إذ أقبل علي فقال عمر:
ترضى بهذا الرجل بيني وبينك؟ قال الأعرابي: نعم. فقصا على علي قصتهما فقال علي: يا أمير المؤمنين إن كنت اشترطت عليه أحلاسها وأقتابها؟ فهي لك كما اشترطت، وإلا فإن الرجل يزين سلعته بأكثر من ثمنها. فوضع عنها أحلاسها وأقتابها فساقها الأعرابي فدفع إليه عمر الثمن. كنز العمال 2 ص 221، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 2 ص 231.
جزى الله أمير المؤمنين عليا عليه السلام عن الأعرابي خيرا يوم حفظ له الأحلاس والأقتاب عن أن تؤخذ منه بغير ثمن، وأما حل مشكلة عمل الخليفة وفقهه في المقام فنكله إلى نظرة التنقيب للباحث الحر.