الغدير - الشيخ الأميني - ج ٦ - الصفحة ٢٥٦
في المنع والتحذير بلغ الغاية وإن الأعذار قد انقطعت.
وما كان ذلك التأويل من الخليفة وطلب البيان بعد البيان، وعدم الانتهاء قبل الزجر والوعيد إلا لحبه لها وكونه أشرب الناس في الجاهلية كما ينم عنه قوله فيما أخرجه ابن هشام في سيرته 1 ص 368: كنت للاسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة (1) عند دور عمر بن عبد بن عمران المخزومي فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار وكان بمكة يبيع الخمر لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها. الحديث.
وفيما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10 ص 214 عن عبد الله بن عمر من قول والده في أيام خلافته: إني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية وانها ليست كالزنا (2).
ومن هنا خص الخليفة بالدعوة وقراءة النبي الأعظم عليه الآيات النازلة في الخمر وكان ممن يأولها ولم ينتهي عنها إلى أن نزل الزجر والوعيد بآية المائدة وهي آخر سورة نزلت من القرآن (3) ومنها ما نزل في حجة الوداع (4) وفي الدر المنثور 2 ص 252 عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته. ويروى: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ سورة المائدة في حجة الوداع وقال: يا أيها الناس إن سورة المائدة آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (تفسير القرطبي 6 ص 31).
وبعد هذه كلها لم يكن الخليفة يعلم أن شرب الخمر من أعظم الكبائر كما تعرب عنه صحيحة الحاكم عن سالم بن عبد الله قال: إن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم فأرسلوني إلى عبد الله بن

(١) الحزورة: كانت سوقا من أسواق مكة وهي الآن جزء المسجد.
(٢) وراجع سيرة عمر لابن الجوزي ص ٩٨، كنز العمال ٣ ص ١٠٧، منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ٢ ص ٤٢٨، الخلفاء الراشدون لعبد الوهاب النجار ص ٢٣٨.
(٣) مستدرك الحاكم ٢ ص ٣١١، جامع الترمذي ٢ ص ١٧٨، الدر المنثور ٢ ص ٢٥٢، نقلا عن أحمد، والترمذي، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي، وسعيد بن منصور، وابن المنذري.
(٤) تفسير القرطبي ٦ ص ٣٠، وإرشاد الساري 7 ص 95.
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»