الغدير - الشيخ الأميني - ج ٦ - الصفحة ٢٥٥
فأخبر أن الإثم محرم ولم يقتصر على إخباره بأن فيها إثما حتى وصفه بأنه كبير تأكيدا لحظرها. وقوله: منافع للناس. لا دلالة فيه على إباحتها لأن المراد منافع الدنيا.
وإن في سائر المحرمات منافع لمرتكبيها في دنياهم إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها، فذكره لمنافعها غير دال على إباحتها لا سيما وقد أكد حظرها مع ذكر منافعها بقوله في سياق الآية " وإثمهما أكبر من نفعهما " يعني إن ما يستحق بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذي ينبغي منهما.
فإن قيل: ليس في قوله تعالى " فيهما إثم كبير " دلالة على تحريم القليل منها لأن مراد الآية ما يلحق من المآثم بالسكر وترك الصلاة والمواثبة والقتال فإذا حصل المأثم بهذه الأمور فقد وفينا ظاهر الآية مقتضاها من التحريم ولا دلالة فيه على تحريم القليل منها.
قيل له: معلوم إن في مضمون قوله: فيهما إثم كبير. ضمير شربها لأن جسم الخمر هو فعل الله تعالى ولا مأثم فيها وإنما المأثم مستحق بأفعالنا فيها، فإذا كان الشرب مضمرا كان تقديره في شربها وفعل الميسر إثم كبير فيتناول ذلك شرب القليل منها والكثير كما لو حرمت الخمر لكان معقولا إن المراد به شربها والانتفاع بها فيقتضي ذلك تحريم قليلها كثيرها. ا ه‍.
فهذه كلها عزبت عن الخليفة وكان يتطلب البيان الشافي بعد هذه الآية وآية النساء بقوله: اللهم بين لنا بيانا شافيا. وما انتهى عنها إلا بعد لأي من عمر الدهر بعد نزول قوله تعالى: فهل أنتم منتهون. قال القرطبي في تفسيره 6 ص 292: لما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زايد على معنى انتهوا قال: انتهينا.
وقال ابن جزي الكلبي في تفسيره 1 ص 187: فيه توقيف يتضمن الزجر والوعيد و لذلك قال عمر لما نزلت: انتهينا انتهينا.
وقال الزمخشري في الكشاف 1 ص 433: من أبلغ ما ينهى به كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيها من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟.
وقال البيضاوي في تفسيره 1 ص 357: في قوله (فهل أنتم منتهون) إيذانا بأن الأمر
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»