الغدير - الشيخ الأميني - ج ٦ - الصفحة ٢٢٤
وإن صدقت الأحلام وكان ابن عباس روى النسخ ببعضها كما عزوا إليه (1) و رأى مع ذلك إباحتها وقال بها إلى آخر نفس لفظه، وتبعته فيها أمة كبيرة فالمصيبة أعظم وأعظم، وحاشاه أن تكون هذه سيرته وهذا مبلغ ثقته وأمانته بوايع العلم والدين على أن الآية الأولى إنما أراد سبحانه بها من تبين بالطلاق لا مطلق البينونة وإلا لشملت ملك اليمين أيضا فنسخته ولم يقل به أحد ولا عده أحد من السفاح.
وأما الآية الثانية فالقول فيها بنفي الزوجية في المتعة مصادرة محضة فإن القائل با با حتها يقول بالزوجية فيها وإنها نكاح وعلى ذلك قال القرطبي كما يأتي:
لم يختلف العلماء من السلف والخلف إن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه. وعن القاضي كما سيوافيك: أنه قال: اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيها.
فالاستدلال بإطلاق هذه الآية على إباحة نكاح المتعة أولى من التمسك بها في نسخ آية المتعة.
ثم القول بالنسخ بهذه الآية يعزى إلى ابن عباس وهو كعزو الرجوع عن القول بإباحة المتعة إليه ساقط عن الاعتبار قال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصح (2) وأما آية الميراث فهي أجنبية عن المقام فإن نفي الوراثة جاءت بها السنة في خصوص النكاح المؤجل فهي بمعزل عن نفي عقدة النكاح وعنوان الزوجية كما جاء مثله في الولد القاتل أو الكافر من غير نفي لأصل البنوة.
وأما النسخ بالسنة:
فقد كثر القول فيه واختلفت الآراء اختلافا هائلا، وكل منها لا يلايم الآخر، والقارئ لا مناص له من هذا الخلاف والتضارب في القول لاختلاف ما اختلقته يد الوضع فيه من الروايات الجمة تجاه ما حفظته السنة الثابتة والتاريخ الصحيح، فوضع كل من رجال النسخ المفتعل بحسب رأيه وسليقته ذاهلا عن نسيجة أخيه وفعيلته، وإليك

(١) أحكام القرآن للجصاص 2 ص 178، سنن البيهقي 7 ص 306.
(2) فتح الباري ص 242.
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»